
رُزقت من الأطفال ذكوراً ولم أرزق من الإناث، فانقسم الناس من حولي إلى فريقين: الفريق الأول كان يحسدني على وضعي الحالي، أما الفريق الثاني فكان يشفق على حالتي في المستقبل البعيد. وكانت حجة الفريق الأول تقول: إن البنات همّ للممات، وقد أراحك الله من هذا الهم الأبدي. أما حجة الفريق الثاني فكانت تقول: لا أحد يفهم الرجل في شبابه غير ابنته ولا أحد يقوم بخدمته في شيخوخته غير ابنته. واحترتُ بين الفريقين وبقيت أعيش في هذه الحيرة إلى أن قمت بزيارة خاطفة لأحد إخواني ممن رزقهم الله بالبنات.

وما أن قرعت الجرس ودخلت البيت حتى وجدت في المدخل طاولة وكرسياً وجهاز كمبيوتر، فجلست على هذا الكرسي وفتحت جهاز الكمبيوتر وانسجمت معه. فجأة خطر في بالي التدخين فقمت بإشعال سيجارة وبدأت أبحث عن (طفاية) أكتّ فيها رماد سيجارتي، فوجدت ما أبحث عنه بجانبي (أو هكذا كنت قد تخيلت) وعلى الفور قمت بنفض سيجارتي بداخل هذا الوعاء الذي وجدته أمامي، وعندما رآني ابن أخي وأنا أكتّ رماد سيجارتي في ذلك الوعاء سكت ولم يتكلم معي بشئ، طناً منه أنها غلطة مني لن أكررها في المرات القادمة، أما أنا فاستكملت ما أنا فيه من عمل على جهاز الكمبيوتر.

ثم كررت ذلك العمل مرات ومرات، وسكت ابن أخي عني أيضاً إلى أن انتهيت من تدخين سيجارتي وأردت أن أطفئها في هذا الوعاء الذي كنت قد وجدته أمامي لكنه هذه المرة لم يسكت عني بل ضحك وقال: يا عمّاه إن هذا الوعاء الذي تريد أن تطفئ فيه سيجارتك هو أحد أساور أختي وليس طفاية للسجائر كما توهمت، وكنت قد سكتّ عليك أول مرة وثاني مرة وثالث مرة لكنني لم أستطع السكوت عليك أكثر، وقد رأيتك تجهّز نفسك لإطفاء سيجارتك في الإسوارة. أيعقل يا عماه أنك لا تستطيع أن تميز بين (الإسوارة) وبين (الطفاية)؟.

فما كان مني إلا أن ضحكت مع شيءٍ من الحياء وقلت له: يا ابن أخي اعذرني على هذا الموقف المحرج الذي كنت قد وضعت نفسي به. لقد كان آخر عهدي بالبنات هي عمتك التي تجاوز عمرها السبعين عاماً، وآخر عهدي بالأساور عندما كانت من الذهب الخالص تلبسها المرأة في معصمها ليلاً نهاراً دون أن تخلعها من يدها وترميها على الطاولة، فلا تلمني يا ابن أخي على ما كنت قد فعلت. ضحك إبن أخي وقال: معك حق يا عماه فلن ألومك بعد اليوم على أي شيءٍ يخص البنات.
















في نهاية ثمانينات القرن الماضي، حضر إلى المدرسة التي كنت أُدرِّس فيها في دولة الكويت وليّ أمر أحد الطلبة الكويتيين، من الذين كنت أُدرِّسهم ليسألني عن سلوك ونشاط ولده في المدرسة، فقلت له: إن ولدك لا يبذل، ولا يريد أن يبذل، الجهد الكافي والمطلوب منه وهو كذلك مُقصّر في أداء واجباته الصفية والبيتية أيضاً. وقبل أن أنهي كلامي أدار الوالد وجهه نحو ولده وهدّده قائلاً له: “إنزين يا ولدي في الماضي كنت أرسلك إلى لندن كل عام لقضاء عطلة الصيف فيها. أما في هذه السنة فعليك أن تقضي عطلة الصيف في القاهرة عقاباً لك على تقصيرك في المدرسة!”.
















