الأستاذ جميل شخص روعـــة


156683_182204008460702_7425896_n

اللهم اشفيه وعافيه، أستاذ جميل عبود شخص روعة، حيث كان أستاذي في الكلية العلمية الإسلامية/جبل عمان، وكان فوق ذلك شخصاً متواضعاً ومحبوباً. 

Abdalla M. Al-Jariri Al-Hussan

25) ذكريات وزيارات


السبت 26/11/2016: 

2016-12-02-08-16-34
علاء ينوب عني في حفل تكريم مجموعة كنت في الكويت

أصبحت أنتظر هذا اليوم على أحرّ من الجمر، فهو يوم الفكاك من جلسات العلاج الكيماوي، حيث كلّما شعرت بتحسن في صحتي العامة جاء العلاج الكيماوي ليطيح بهذا التحسن. كما أنني لن أنسى ساعة ذهابنا وساعة رجعتنا من المستشفى في أجواء باردة جداً، حيث كانت درجة الحرارة لا تبتعد عن الصفر إلا قليلاً. وعلى الرغم أن بيتنا يبعد دقائق قليلة عن المستشفى، إلا أنني كنت أشعر أن المشوار طويل جداً. كان الله في عون من يقود مسافات طويلة للوصول إلى هنا.

2016-12-02-08-16-35
إهداء من مجموعة “كنت في الكويت ولي فيها ذكريات”

ومن سوء حظي أن الأخ والصديق أبمن أبو شرار مسؤول صفحة كنت في الكويت ولي فيها ذكريات كان قد أعدّ حفل تكريم لي ولاثنين من المدرسين المخضرمين ممن عملوا في الكويت في القرن الماضي. ولما كان هذا الموعد يتعارض مع جلسة العلاج الكيماوي اليوم، ناب عني ابني الأكبر علاء في الحضور. لا أظن أن هذه الكلمات أو غيرها توفي الأخ أيمن حقه من الشكر، فهو بعمله هذا يضرب أروع الأمثلة في الوفاء والعرفان.

مساءً، سافر بهاء وضياء على التوالي إلى أعمالهم بالسعودية والبحرين، عاقدين النية على العودة قريباً، إذ عاد ضياء في اليوم التالي مباشرة، بينما عاد بهاء في يوم الأربعاء. 

الأحد 27/11/2016: 

2016-12-02-08-16-34-1
الأستاذ فرج حبوب والأخ أيمن أبو شرار

البارحة كانت آخر جلسة كيماوي. مع الخبرة، توقعت وكان توقعي بمحله، أن تنحدر حالتي الصحية وأشعر بالتعب والإرهاق، إذ أمضيت بقية يومي بين استفراغ، وشهية مسدودة، وشعور سريع بالتعب عند أول مجهود. إلا أن زيارة الأستاذ فرج حبوب وابنه والأخ أيمن أبو شرار لبيتنا كانت ما أحتاجه للخروج من هذا الجو الكئيب، فقد أبحرنا في ذكريات الأيام الجميلة التي قضيناها في الكويت، واستذكرنا أحداثاً عديدة مررنا بها خلال العقود الأربعة الماضية، ورغم أنني لم ألتق بالأستاذ فرج قبل اليوم، إلا أنه خُيّل إليّ أني أعرفه منذ سنين طويلة.    

الثلاثاء 29/11/2016:

2016-12-02-07-18-26-1
مع الدكتور طاهر أبو حجلة في بيتنا

كان يوم أمس مملاً وطويلاً ومرهقاً، شأنه شأن اليوم. لكن الدكتور طاهر أبوحجلة، الطبيب المسؤول عن حالتي، اتصل بنا صباحاً ليبلغنا رغبته بزيارتي في البيت للاطمئنان على صحتي، إذ كان خارج البلاد لمدة قاربت الأسابيع الستة. استقبلنا الدكتور عصراً وبدا واضحاً أنه متفاجئ من وضعي الصحي مقارنة بما توقعه من خلال قراءة التقارير الطبية التي ترد له تباعاً أثناء سفره. استمتعت جداً بزيارة الدكتور طاهر، فهو مثال الطبيب الناجح، ليس علمياً فحسب حيث أنني غير مؤهل للحكم على قدراته العلمية، إنما ما يهمني هو مقدار الإنسانية التي يتعامل بها الطبيب مع مرضاه ومرافقيهم والمجتمع حوله بشكل عام، فهم مرضى وليسوا زبائن، والهدف علاجهم وليس نهب محافظهم، والتعامل اللبق معهم هو أولى اهتمامات الطبيب، وليس فقط صرف الدواء لهم.

الخميس 1/12/2016:

2016-12-02-07-19-42-1
بث مباشر من بيتنا في سلفيت أثناء المنخفض

وصل بهاء البارحة من السعودية، مُحضِراً معه أول منخفض جوي هذا العام، لتبدأ الأمطار بالتساقط مع وصول الرياح إلى سرعات عالية جداً. كان هذا الجو الماطر من أكثر ما أحبه في صباي، لذا وجدت نفسي أفتح شاشة الكمبيوتر على بث مباشر لبيتنا في سلفيت وسقوط الأمطار عليه، ولما لم أكتف بشاشة الكمبيوتر طلبت من أبنائي ربط الصورة على التلفاز، وهذا ما حدث، فالمنظر أجمل من أن أُفوّته. رغم الإرهاق الذي أصابني في الأيام القليلة الماضية، إلا أنني اليوم أشعر بتحسن ملحوظ. ربما تكون تلك بركات المنخفض الجوي، أو ربما مضي عدة أيام على انتهاء جرعة الكيماوي.

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

حيّوا معي هذا الرجل وعائلته


10815814_10152535741110998_1690481072_n
أبو فاروق

بسرعة هائلة أصبح عندنا في مدينة سلفيت مستشفى وأطباء وممرضين مقيمين وأطباء زائرين ونسينا هذا الرجل العملاق عزت الزوربا أبو فاروق الذي ترك الحياة السهلة المريحة في مدينة نابلس وجاء ليستقر هو وزوجته وأولاده في قرية سلفيت في خمسينات القرن الماضي ليكون مسؤولاً عن الصحة في منطقة سلفيت وما حولها من القرى المجاورة تحت مسمى (التمرجي) ولا أعتقد أن أحداً من أهل سلفيت وما حولها من القرى المجاورة لم يدخل عيادته في يوم من الأيام أما زوجته أم فاروق فقد ولّدت معظم نساء سلفيت وما حولها إن لم يكن جميعهن تحت مسمى (قابلة قانونية) وعاشت هي وزوجها وأولادها حياتهم كلها في سلفيت أما أولادهم من بعدهم فقد تبرعوا بقطعة الأرض المقام عليها (مسجد الأبرار) مشكورين لهذا أتمنى على رئيس وأعضاء مجلس بلدية سلفيت وعلى رأسهم الدكتور شاهر إشتية (الذي كان يعرفهم أكثر مني) أن يقوم بتكريمهم وذلك بتسمية شارع أو مكان أو حتى جناح في مستشفى الشهيد ياسر عرفات بأسمائهم ولو أنها جاءت متأخرة. 

مـقـالات

أنت شخصية قديرة ومؤثرة


485941_10151423651525711_1681934009_n

الله يشافيك ويعافيك أستاذي، أنا الآن طبيب، وما زلت الى الآن، أتعلم من حضرتك، فعلاً أنت شخصية قديرة ومؤثرة، اللهم اشفي معلمي الفاضل، وجازيه عن كل ما علمنا إياه، يا الله. أنت أقوى من السرطان.

Lutfi Abdallat

(24) عندما يمر الأسبوع كَسَنَة


الثلاثاء 15/11/2016:

20161115_123506-1-4
حصتي من الماء قبل التصوير الطبقي

كان اليوم امتداداً لحالة عدم الشعور بالجوع من آثار تناول الفيتامين ليلة أمس، لكن فيما يخص الإرهاق والتعب فقد بدأ بالتراجع نسبياً، وغلب علي النشاط في الساعات الأولى من الصباح بالمقارنة مع الأيام السابقة، إلا أن هذا الشعور لم يدم، فلا بد لي من الصيام لفترة ست ساعات قبل الذهاب لأخذ الصورة الطبقية، فتحول نهاري إلى يوم طويل وبطيء يغلبه النعاس. انطلقنا في تمام الساعة الثانية عشر لإجراء صورة طبقية عامة، والتي تستدعي شرب لتر ونصف كاملين من الماء المخلوط بمحلول خاص حسب حالة المريض. ما أصعب شرب هذه الكمية من الماء على معدة خاوية. بعد الصورة لم أستطع التحمل فاستفرغت ما في بطني، ثم لازمني شعور عام بالتعب والارهاق إلى آخر اليوم. 

السبت 19/11/2016: 

2016-11-09-17-17-04-1-2
الجلوس على الكمبيوتر لأكثر من ربع ساعة يرهقني

الأيام الثلاثة الماضية مرت بوتيرة واحدة. ليل هادئ أحظى فيه بساعات من النوم العميق، ونهار طويل متعب أشعر به بالجوع الدائم مهما أكلت، والنعاس مهما نمت. أضف إلى ذلك قلة التركيز والقدرة على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي. أما الحالة الجسدية، فحدث ولا حرج، فمشي لمدة دقائق معدودة كفيل بإرهاقي، والجلوس على الكمبيوتر لأكثر من ربع ساعة يتعبني، كما غلب علي شعور بالعصبية السريعة غير المبررة، وعدم الرغبة بالتحدث مع الآخرين، كائناً من كانوا. باستثناء القليل من الحماس للغد حيث ينتظرنا يوم طويل في المستشفى، كان يوم السبت شبيهاً بإخوانه السابقين.   

 الأحد 20/11/2016:

2016-11-22-09-20-11
مع علاء بانتظار الكيماوي

اليوم وغداً جدول حافل بمركز الحسين، حيث بدأنا، أنا وزوجتي وعلاء، بزيارة عيادة السكري حيث أبلغتنا الطبيبة بأن البنكرياس ما زال في صفنا، ومن هنا نجدد له التحية، لنستكمل جولتنا إلى عيادة أورام الرئتين، حيث قابلنا الطبيب البديل عن المسؤول عن حالتي، ويبدو أنه لم يكن مهتماً إلا بمرضاه، مثله مثل الأستاذ الذي يعطي حصة بديلة عن زميله الغائب. ورغم ذلك إلا أنه طمأننا أن الأمور مستقرة نسبياً، وبناءً عليه سنستمر بالجرعة الثالثة من الكيماوي والتي ستبدأ صباح الغد. بعد أن قمت بفحص الدم استعداداً لجرعة الكيماوي، انتهى يومنا بالمركز عندما استلمنا الأدوية اللازمة.

2016-11-26-08-10-56
مع ضياء بانتظار دخول قاعة الكيماوي

في يوم الإثنين، ذهبت مع زوجتي وضياء إلى جرعة الكيماوي الأولى، وإذ بسيدة في العقد الثالث من عمرها تقترب منا وتطلب مني الجلوس مكانها، وبعد أن رفضت تقديراً لها كونها امرأة أصرت بشدة فاستجبت لها. وعندما جلست قالت لي أنها تعرفني وتتابعني على الانترنت، فاستنتجت أنها مريضة مثلي فطالبتها بالجلوس مكانها السابق فاستجابت، ثم بدأت تحدثني عن تجربتها، فهي أم لفتاة في الرابعة من عمرها، أخفت عن جميع من حولها خبر مرضها، فأصبحت تأتي وحيدة إلى المركز لتناول علاج سرطان الثدي الذي أصابها. وحتى لا تنكشف أمام ابنتها أو أقاربها، كانت تُركّب رموشاً اصطناعية كلما تساقطت رموشها الحقيقية جراء العلاج. نصحتني هذه السيدة ببعض الأدعية والأذكار المساعدة على الشفاء، ولا أملك إلا أن أشكرها جزيل الشكر وأدعو لها بالشفاء العاجل والتام.  

2016-11-23-19-28-45-1
مع بهاء بانتظار الكيماوي

أما يوم الثلاثاء فقد راجعت عيادة الرئة مع زوجتي وعلاء حيث أبدى الطبيب ارتياحه لوضع الرئتين بعد تناول المضاد الحيوي، كما أخبرنا أن الأمور في طريقها إلى الاستقرار من حيث الالتهابمساءً، وفي نفس التوقيت، سيصل بهاء إلى عمان من جدة، كما سيسافر علاء إلى بيروت في رحلة عمل قصيرة. كانت الأيام الثلاثة التالية متشابهة من حيث الروتين اليومي، ما بين جرعة كيماوي وإرهاق صباحي، ونوم عميق نسبياً في المساء، واشتداد برودة الجو، وقضاء ما أمكن من الوقت مع عائلتي أو منشغلاً بكتابة هذه السطور. وعلى الرغم من روتينها، إلا أنني لمست تحسناً ملحوظاً على حالتي الصحية العامة، كما أكّد ذلك من هم حولي، فصرت أعقد الآمال على مزيد من التحسن مع مرور الأيام علّي أسجل هدفاً في مرمى الخصم العنيد.    

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

السيجارة الأولى


14134613_650462415113555_134599086_n
إعلانات الأمس

فتحت عيوني في القرية، على نبتة خضراء عريضة الأوراق، لا تأكلها الحيوانات، يُعزّها كبار السن من الرجال والنساء، ويسمونها شجيرة “الدخان”. كان كل منهم يزرع هذه الشجيرات حول الأرض التي تحيط ببيته، أو في حواكيره، ولا تحتاج هذه الشجيرات إلى سقاية أو عناية من أحد، وحين تنضج أوراق هذه النبتة، تبدأ بالاصفرار، عندها تُقطف وتُجمع وتصفّط فوق بعضها البعض إلى أن يأتي “الفرّام” بآلته الممنوعة قانوناً. وبعد فرم تلك الأوراق، توضع في كل ورقة سجائر من دفتر “الأوتومان” أو منافسه دفتر “غازي” كمية مناسبة من هذا الدخان المفروم، ثم تُلفّ على شكل سيجارة، ثم تُشعل باستخدام ولاعة “قدّاحة” والمصنوعة من فتيل قطني مغموس بالكاز. كان معظم أهل البلد مدخنين من هذه النبتة، ومع ذلك، لا أذكر أن أحداً منهم مرض أو حتى تأثرت صحته بسببها، بل كانوا يجوبون القرية، وما حولها، سيراً على الأقدام، ويحرثون ويزرعون ويحصدون دون استخدام أي من المعدات الحديثة، كما أنهم عمّروا لسنوات طويلة قبل أن يتوفاهم الله.  

3910078727
ارتباط الدخان بالثورة والنضال 

وما أن كبرت أكثر حتى أصبح السيجارة رمزاً من رموز علية القوم، فالطالب اللامع مدخّن، والمدرّس المتميّز أيضاً مُدخّن، والسياسي المُحنّك لا تفارقه سيجارته، والثوري المُناضل يقاتل بماء وخبزة وسيجارة. أما المثل الشعبي الشهير “زينة الشب سيجارته في يده” فقد كان من أشهر الأمثال في تلك الحقبة. بل وصل الأمر إلى ما وصل إليه، عندما قامت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين باعتبار السجائر من المؤن التي توزعها على مستحقيها، كالطحين والسكر والأرز. ولأنها مجانية، فقد دخل العديدون في عالم التدخين، ومن أصرّ منهم على البقاء خارجه، باع حصته من السجائر، لمعشر المدخنين بثمن بخس. أما الأطفال فكانوا يدخنون ما يقع تحت أيديهم من هذا الدخان، وإن لم يجدوه لجؤوا إلى أوراق “الميرمية” الجافة أو إلى أوراق “التين” الجافة أو ما شابهها من النباتات، فكانوا يجففون أوراقها  ثم يفركونها باليد ويلفوا منها سيجارة تلو الأخرى.

410544700
أوله دلع وآخره ولع

أما حكايتي مع الدخان، فقد بدأت عندما سافر أخي الأكبر للدراسة إلى مدينة عمّان، وأنا في الصف الثامن، وعاد إلينا مدخناً بعد أن برر ذلك، بأنه أُصيب بالرّعاف، ولا علاج لهذا الرعاف إلا الدخان. ولتوفير احتياجاته من هذا “العلاج”، كان عليه أن يذهب إلى أقرب دكان يبيعه السجاير والذي يبعد عنا مسافة أربعة إلى خمسة كيلومترات، سيراً على الأقدام. فأصبح أخي يرسلني لأشتري له السجائر، وعندها فرضت عليه سيجارة واحدة عن كل باكيت أحضره له. تدريجياً قمت برفع هذه الضريبة إلى سيجارتين لكل باكيت، ولم يمانع مضطراً، فأنا الوحيد في العائلة الذي يستطيع الذهاب مشياً كل هذه المسافة في ذلك الوقت.

sam9594
إعلان دخان لولو

وكان أخي الأكبر يعود إلى عمّان بعد انتهاء إجازته المدرسية، ليتركني في القرية، ومع الزمن تعوّدت على مثل هذه السيجارة المجانية. وعندما كنت أشتاق إلى مثل هذه السيجارة أقوم وأشتري نصف باكيت من دخان سلوى أو من دخان نوع لولو إذا كان الوضع الاقتصادي خانقاً. وفي حالة الرفاه، أشتري نصف باكيت كمال أو سيد. كل هذا كان يحدث تحت علم والدتي،  لكن ما كان يخفف عنها أنني أعيش بعيداً عنها فهموم الحياة وتأمين متطلبات العيش الرئيسية تكفيها، ولا حاجة لها أن تضيف همّاً جديداً فوق همومها. قد يسأل سائل لو لم أعقد هذه الصفقات مع أخي، هل كنت سأدخن في مرحلة لاحقة من حياتي؟ الجواب: نعم بالتأكيد. فالتدخين كان من علامات الرجولة المبكرة، ونحن جميعاً في ذلك العمر نسعى لإثبات أننا رجال بالغون في أسرع وقت ممكن. 

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

هل يُعقل أن تحكمك سيجارة؟


نظرة ٌ فابتسامة ٌ فسلامٌ            فـكلامٌ فـموعـدٌ فلقــــــاءُ

0a5ac38654c03ce9a0462f22e39d64a3لعلّ أحمد شوقي، شاعرنا الكبير، قصد السيجارة بهذا البيت. فرحلة الإدمان على التدخين تبدأ من نظرة إلى سيجارة مدخن، مملوءة بالإعجاب بها وبما تخلقه من أوهام حولها. يتبع تلك النظرة رغبة في دخول هذا العالم، والذي يتعرف عليه المدخن عادة من خلال أحد أصدقائه، ليجربها في المرة الأولى، فإن عاد إليها انتهى به المطاف تحت رحمتها. أما ساعة الفراق، فهي تختلف عن ساعة فراق المحبين، إذ تدوم العشرة بين المدخن وسيجارته طوال العمر في أغلب الأحيان.  

imagesأول حالات الفراق بيني وبين السيجارة كانت في شهر رمضان، إذ ينقلب نهاري جحيماً لا يُحتمل، ومنه تعلم أفراد أسرتي أن يتجنبوني في نهار أول أيام من رمضان، كما أني لا أطيق انتظار أذان المغرب حتى أتناول فطوري وأفرغ منه قبل انتهاء الأذان لأتناول سيجارتي الأولى، أتبعها بأخواتها حتى أعوض نقص النهار كاملاً. وما أن يحين موعد الإمساك حتى أبقى متشبتاً بها إلى آخر لحظة من أذان الفجر. كما أنني لم أكن أستشعر الطعام أو الشراب الذي أتناوله انتظاراً للسيجارة، وكنت أنقض على الطبق الرئيسي دون أي مقدمات من شوربة ونحوه. في تلك الأيام، كنت مستعداً لصيام الدهر لو استثنينا التدخين من المعادلة. 

bntpal_1450115827_898أما ثاني حالات الفراق، فعندما تقرع أجراس الحرب حيث تبدأ القوانين السائدة بالزوال وتحل الأنانية بدلاً منها بين الناس، وتتغير النفوس ويصبح الشعار السائد بينهم: اللهم أسألك نفسي. والمدخنون عادة من الفئات الأكثر تأثراً في المجتمع بالحروب وما أن يستشعروا بقدومها حتى يسيحوا في الأرض بحثاً عن مزيد من السجائر لتخزينها للأيام القادمة، والتي لا يعرف أحد نهاية لها. كما يستغلّ الباعة غياب الرقابة الحكومية والحالة النفسية للمدخنين ويُغيّبون الرقابة الإلهية على أنفسهم ويقومون بإخفاء السجائر ليرفعوا سعرها لأنهم يعتقدون أنهم مهما رفعوا من سعرها فهناك من سيدفع ويشتريها. 

smoking-in-syria
لف السجائر

حرب عام 1967 جلبت المصائب للشعب الفلسطيني، شأنها شأن باقي حروبنا. إلا أن ما يهمنا هنا هو انقطاع الدخان العربي، والسماح فقط ببيع دخان الكيان الصهيوني غالي الثمن، مما اضطرني أنا وأمثالي إلى شراء الدخان العربي المهرب على شكل أكياس تُسمى “أُكك” على الرغم من صعوبة الحصول عليها ناهيك عن حملها، حتى لا يجذبنا العدو إلى مصيدة دخانه المتوافر بعد أن قام بإغلاق مصانع الدخان الفلسطينية.           

%d8%aa%d8%b9%d8%a8%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9
الحاويات المشتعلة

هذا كان حالنا أيضاً خلال حرب الخليج، حيث صغرت أحلام المدخن لتصبح سيجارة كاملة غير منتهية الصلاحية. وعندما يشتد الأمر ويحن المدخن إلى سيجارته، كما حدث معي، كنت أقترب من حاويات النفايات التي يتم حرقها نظراً لتعطل حركة نقل النفايات أثناء الحرب، فأشتم منها رائحة دخان مسموم. ألم يكن من الأفضل أن أترك التدخين للأبد في تلك الأيام؟ الجواب ليس بالضرورة نعم، فالوضع النفسي والسياسي والاقتصادي مختل تماماً ونحن ساحة حرب ضروس لأطراف عديدة ولا يعلم نتائجها إلا الله، والسيجارة هي أقصى ما يمكن أن يواسي المرء في تلك الظروف.  

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى الياء

(23) الكرسي المتحرك يحقق التعادل


الأحد 13/11/2016: 

104756
ركلات ترجيحية

بهذا اليوم، أكون قد استكملت فيه الشهر الرابع، أنا والسرطان في هذه المعركة، وما زالت النتيجة 1-0 لصالحي، رغم هجمات السرطان المتكررة، والمباغتة من حيث لا أحتسب. فهذا اليوم هو اليوم الثالث على التوالي، وحالة التعب والإرهاق ما زالت تلازمني، إضافة إليهما عدم الرغبة بتناول الأكل، وعلى الرغم من وجود أكوام من الأدوية المختلفة، أما لاعب الهجوم عندي فقد انقلب عليّ، ودخل مع فريق الخصم، فالدخان اتحد مع السرطان في مهاجمتي، وما زال فريقي المخلص من البنكرياس والكلى، يتصدون لهجمات هذا الخصم متحدين معاً. وما يبدو لي حتى الآن، أننا قد نلعب الركلات الترجيحية!   

الاثنين 14/11/2016:

Philodendron pertusum
أصبحت بحاجة إلى من يسندني

صباح هذا اليوم انطلقنا مع ضياء إلى مركز الحسين للسرطان، بعد استراحة طويلة دامت عشرة أيام في البيت. رغم أن السيارة أوقفتني على باب المركز، إلا أنني لم أستطع النزول منها، فقد خانتني قدماي ويداي، ولم أجد شيئاً أتكئ عليه سوى يديْ زوجتي التي قادتني بعدها إلى المختبر، وبعد ذلك طلبت زوجتي من ضياء إحضار كرسي متحرك لنقلي، فرفض معتقداً أن بإمكاني الحركة لوحدي، إلا أن اعتقاده لم يكن بمحله، إذ اضطررت إلى استعمال الكرسي للوصول إلى العيادات الخارجية، ثم خضعت لتحاليل طبية للسكر التراكمي ووظائف الكلى تمهيدًا للصورة الطبقية المقررة غدًا، لأعود إلى مبنى العيادات الخارجية جالساً على نفس الكرسي، حيث كان لدينا موعد مع عيادة الاقلاع عن التدخين، إلا أن الموعد أصبح الساعة 3:30 عصراً، فعدنا أدراجنا إلى البيت لتناول طعام الغداء، والذي لم يزد عن بضع وريقات من الملفوف. وحين اقترب موعد العيادة عدنا الى عيادة الإقلاع عن التدخين، إذ دهبت إليها راغباً في إثبات التهمة على ترك التدخين فيما أنا فيه. وبعد استشارة الطبيب أسقطت كافة التهم التي كنت قد وجهتها لنقص الدخان والنيكوتين في جسمي، إذ اتضح أن ما أشكو منه من مظاهر التعب والإرهاق لا يمت لترك الدخان بصلة، فجسمي أصبح الآن خالياً من آثار التدخين حيث أن نسبة ثاني أكسيد الكربون في مجرى الجهاز التنفسي صفر.

pharmaton-50-plus-vitamins-minerals-omega-3-immunity-heart-brain-eye-bone-energy-50-years.jpgمساءً اتفقت مع ضياء للمرور على طوارىء مركز الحسين لأخذ استشارة من الطبيب المناوب فيما يخص حالة فقدان الشهية، وذلك بعد تبرئة آثار ترك التدخين، فنصحنا الطبيب المناوب بتناول Multi Vitamins يدعى Pharmaton، وقد أخذت منه حبة ليلاً وعلى ما يبدو قد خفف من الشعور بالجوع، إلا أن رائحته كانت منفرة جداً فتهربت من تناوله لاحقاً، وفضلت الشعور بالجوع على تناول هذه الأقراص. 

الجلوس على الكرسي قد يعتبره البعض عادياً، إلا أنني أراه نقطة سجّلها السرطان في مرماي! 

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

العلم وحده لا يكفي لإنشاء جيل واعي


155730_10150351213240501_417990_nالسلام عليكم أستاذي العزيز، لفتت انتباهي مدونتك الغنية بأنواع التجارب الحياتية التي خضتها، وبصدمة بالغة تناولت فيه حلقات تجربتك مع “المرض اللي ما يتسماش”. أتمنى من الله ان يلهمك الصمود، وأن تقهره إن شاء الله. العلم وحده لا يكفي لإنشاء جيل واعي؛ دون تجارب حياتية تفتح طاقات التفكير والتفكر في عقول الطلاب، هذا ما أوقفت الحصص مراراً لأجله، حيث سردت لنا عدة أمثلة حياتية بقيت في عقولنا لا نتذكرها الا بصوتك. في قصص الخيال العلمي يتخوف الإنسان من ان يحل الروبوت مكانه على هذه الارض، لن يتمكن أبداً الروبوت من قهر الإنسان ان كان يتلقى بيانات ويحللها للحصول على معلومات دقيقة فقط لكن تبلغ القصص حبكتها اذا زود هذا الروبوت فقط بحرية الإرادة وأن يفعل ما يريد. رحم الله التعليم الذي كان يخرج بشراً يتفكرون، واصبح يخرج روبوتات ينسخون ويلصقون ولا يفقهون.

‏‎Naser Afghani‎‏

طُـلاّب درستهم ولا زلت في ذاكرتهم

werathah2511werathah2511