لم أكن محظوظاً في دراستي


14040143_1262817143729415_8820436036282807493_n

يا أهلاً بأستاذنا الفاضل جميل عبود. ما كنت محظوظ أدرس بشعبة درّستها حضرتك. بس إخواني أحمد ومحمد من تلاميذك ودائماً بتذكروك بسرور. أطال الله في عمرك.

Saif Akrabawi

طُـلاّب درستهم ولا زلت في ذاكرتهم

werathah2511werathah2511

إلنا الشرف


13240132_10154274274644880_5493364426377521639_n

أهلا بأستاذنا الفاضل إلنا الشرف أننا تتلمذنا على يديك أطال الله في عمرك.

Moh’d Aqrab

طُـلاّب درستهم ولا زلت في ذاكرتهم

werathah2511werathah2511

(15) آخر العلاج الكيّ (15)


الإثنين 3/10/2016: 

56bb162608bdbarticle_2617_1
الألم في الرقبة

اليوم، ومثله في اليومين السابقين، كان الألم يعاودني ليلاً، ويضغط عليّ بشدة في منطقة الرقبة والكتفين واليدين أيضاً، مما كان يضطرني في بعض الأحيان، لتناول قرصاً من المورفين سريع المفعول، الذي أعطوني إياه، كي أستعمله عند اللزوم، لعلّ وعسى أن تزول شدة الألم. ولم تبق الأمور على حالها، بل لحق بهذه الأعراض جفاف شديد في الفم، وصعوبة في البلع، وما يشبه النار المتقدة في البلعوم، فقد أصبح الطعام كسكاكين تجرحني من فمي إلى أن يصل إلى معدتي، مما دفعني إلى الابتعاد عن الأكل أو حتى الاقتراب منه، مهما كان نوع هذا الأكل. ربما كانت هذه الأعراض من آثار العلاج بالأشعة، والتي كانت موجهة نحو منطقة الرقبة.   

الثلاثاء 4/10/2016:

Bone Scan

في هذا اليوم، أخذنا صورة (bone scan)، لمراقبة الورم الموجود في العظم، ومعرفة نتيجة العلاج بالأشعة، وبعدها ذهبنا للبيت، لتناول وجبة طعام الغداء، ثم عدنا إلى المركز لأخذ صورة طبقية، فرفضوا ذلك، لأن من شروط هذا التصوير بالأشعة، الامتناع عن الطعام لست ساعات على الأقل، وهو ما لم نأخذه بعين الاعتبار حين تناولنا طعام الغداء. لذلك، عيّنوا لنا موعداً آخر، هو الساعة السابعة من صباح الغد، وقبل بداية الدوام الرسمي. وفي هذه الأثناء زاد الألم والجفاف، وظهرت صعوبة في البلع، ثم تلاه فقدان للشهية.

الأربعاء 5/10/2016:

barfing-man-cartoon-vomits-stream-green-vomit-41194614
يوم الاستفراغ 

وصلنا مركز الحسين للسرطان، الساعة السابعة صباحاً، تمهيداً لدخولنا إلى وحدة التصوير الطبقي، لعمل صورة طبقية لمراقبة الورم، ثم راجعنا قسم الطوارئ في المركز، لمعالجة الجفاف وصعوبة البلع، وأعطوني العلاج المناسب، ثم عدنا إلى البيت، وبعد الفطور استفرغت كل ما أكلت في الحال. أما في المساء، فحاولنا الاتصال بالطبيب المعالج، لمعرفة نتيجة صور الطبقية، فلم يجيبنا بشيء، ولما لم يجب علينا الطبيب، عرفنا النتيجة وحدنا، لأن في أمثالنا العربية مثل يقول: المكتوب يُقرأ من عنوانه. بعد ساعتين تقريباً، اتصل الطبيب المعالج بنا، وأخبرنا بأن العلاج الكيماوي، والعلاج بالأشعة، لم يوقفا تقدم هذا الورم، وخيّرنا الدكتور المعالج بين الاكتفاء بهذا القدر من العلاج، أو الاستمرار فيه، واقترح علينا أن أدخل للمستشفى، لأخذ علاج كبماوي، أقوى وأشرس من العلاج الأول، وبعد مناقشة هذا الموضوع، مع جميع أفراد الأسرة، تم الاتفاق على الاستمرار في هذا العلاج حتى النهاية، وتم إبلاغ الطبيب بذلك.

السبت 8/10/2016:

2016-10-16-10-10-39-1
بعد الإدخال 

وأخذنا ننتظر اتصالاً من مركز الحسين للسرطان، لتحديد موعد دخولي للمستشفى، وبعد يومين من الانتظار المملّ، اتصل قسم الإدخال في المستشفى مساءً، ليبلغنا بتوفر غرفة للمبيت فيه، ابتداءً من هذه الليلة، وبعد تناول طعام العشاء، حزمنا أمتعتنا من ملابس، وكمبيوتر، وراوتر انترنت، وانطلقنا خمستنا إلى المركز. وبعد إنهاء إجراءات الدخول، تمركزنا في الغرفة، نتجاذب أطراف الحديث، بينما يتوافد علينا الأطباء والممرضون، كلٌ في مجال تخصصه، فهذا يسأل عن أنواع الأدوية التي أتناولها، وتلك تقيس لي الضغط ودرجة الحرارة والوزن، وآخر يسأل عن الأعراض الناتجة عن الأدوية، وأخرى تغرز إبرتها في ذراعي لتأخذ كمية من الدم لإحراء الفحوصات اللازمة.     

الأحد 9/10/2016: 

2016-10-16-10-10-39-2
في الغرفة

رغم أن النوم جافاني في بداية الليل، إلا أنني استسلمت له أخيراً، لأجد عائلتي بكامل أفرادها حولي صباحاً، وبعدها بدأت وفود الأطباء، والممرضين تزورني للمرة الثانية، تمهيداً للجلسة الأولى من جرعة الكيماوي الثالثة، حسب اقتراح الطبيب المعالج. بدأت التحضيرات لهذه الجلسة بعد العصر، واستطعنا إنهاء إجراءات الخروج بعدها، لا سيما وأنه تم تحديد مواعيد الجلسات الأخرى. مرة ثانية، أتنفس الحرية خارج المستشفى، وأستشعر النعمة التي كنت بها في بيتي. واستنتجت لوحدي، دون الاستعانة بأحد، أنه ربما يجب علينا تغيير بيت الشعر المعروف لدينا ليصبح: لبيتٌ تخفق الأرياح فيه أحب إلى من مستشفى منيف. بعدها عاد بهاء إلى السعودية، ورافقنا علاء وضياء في الأيام التالية إلى قسم العيادات الخارجية، لحضور الجلسات المتبقية من هذه الجرعة، والتي امتدت من الإثنين إلى الخميس.  

السبت 15/10/2016:

2016-10-16-10-10-41-2
أثناء الفحص السريري في الطوارئ

أما في هذا اليوم، فما زالت الكحة تضايقني باستمرار، حتى أنها أصبحت توقظني من نومي عندما تأتي. ولأنها أصبحت تزداد قوة وتكراراً، ذهبت مع علاء إلى عيادة الطوارئ لاستشارتهم، وأخذ العلاج المناسب. وبعد انتظار قصير، حضر الطبيب المناوب، والذي قام بعمل الفحص السريري، ومراجعة كافة المعلومات الطبية ذات العلاقة، ومن ثم أمر بتركيب حقنة كورتيزون في ذراعي، وطلب صورة أشعة (chest x-ray) للصدر، لمراقبة الرئة، وبعد أن شاهد الطبيب الصورة الجديدة للرئة، علّق بأنها أفضل بكثير من سابقتها، بغض النظر عن مواضع الورم، لينهي لقائه معنا، بكتابة وصفة علاجية لهذه الكحة، لنعود بعدها إلى البيت، لكن بعد صرفها. في هذه الليلة كان نومي عميقاً، وهادئاً، ودون ازعاج، من هذه الكحة اللعينة. 

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

أنت من المعلمين الذين يبقون في الذاكرة


زيد شعبان
زيد شعبان

تحياتي أستاذي العزيز جميل عبود،

أنت من المعلمين الذين يبقون في الذاكرة، لما لهم من فضل كبير علينا، شكرًا لك.

Zaid Mohammad Shaaban

(14) حان وقت العلاج بالأشعة (14)


السبت 17/9/2016:

download.jpgمنذ البارحة، عاد الألم إلى رقبتي، وكتفي، وصدري، بعد غياب قصير، بينما كانوا موظفو المركز يتمتعون في إجازة العيد. وغاب الطاقم الإداري في قسم الأشعة، فالدكتور المسؤول عن الأشعة في الحج، ونائبه مجاز، والطبيب المعالج خارج البلاد، والطبيب المتواجد في المركز، والذي اتضح أنه من معارف ضياء، لا يستطيع بدء العلاج، دون برنامج واضح، موافَق عليه من قبل. لهذا فقد مضى يومنا هذا، ونحن بين حبة مورفين وأخرى، وبين اختياري لوضعية في الجلوس تناسبني، وأرتاح عليها، من بين وضعيات كثيرة متعبة. وكنت أتعلق بالشعار: اشتدي يا أزمة تنفرجي، كما يتعلق الغريق بقشته. 

الأحد 18/9/2016:

2016-10-15-19-12-00
رسالة مركز الحسين لتأكيد الموعد

في هذا اليوم، لا زلت بانتظار انفراج الأزمة بعد اشتدادها، فالألم لا يزول إلا بحبوب المورفين، تُرى كيف كان وضع المرضى قبل اكتشاف مثل هذا المورفين؟ وما هي إلا ساعات قليلة، وإذا بمركز الحسين يتصل بنا لإعطائنا موعداً مع عيادة الألم، واتصال آخر مع الطبيب المعالج، واتصال آخر مع قسم الأشعة العلاجية. فرحتُ لهذا الاتصال، وقلت في نفسي: لقد لاح بصيص أمل في الأفق، وحمدت الله أن بيتنا قريب من هذا المركز، وإلا لقضينا اليوم في شوارع عمان جيئة وذهاباً إلى المركز. ساعد الله المرضى الذين يأتون للعلاج من أطراف المملكة، وحتى من خارجها. ومع كل هذا، فقد ارتفعت معنوياتي، ولو قليلاً، فموعدنا غداً، وإن غداً لناظره قريب، هذا الانتظار سيكون مملاً للإنسان العادي، فما رأيكم لو كان هذا الانتظار لشخص مريض مثلي؟ فهو سيكون بعيداً بعيداً. 

الإثنين 19/9/2016:

2016-10-17-06-00-48
القناع 

منذ الصباح الباكر، انطلقنا خمستنا إلى مركز  الحسين وانقسمنا إلى فريقين: ذهب الفريق الأول إلى عيادة الطبيب المعالج، بينما ذهب الفريق الثاني لتأكيد موعد الأشعة، فأنا لا زلت أجد صعوبة جمّة في الحركة، لذا، من الأفضل التأكد من الموعد قبل المغامرة، بالذهاب إلى قسم الأشعة، والانتظار هناك. وما أن وصلنا ذلك القسم، حتى تم تفصيل غطاء واقٍ لرأسي، لاستعماله أثناء هذا العلاج، كما حدّد لنا القسم مواعيد الجلسات الخمس الآتية، وبعدها، انطلقنا إلى عيادة الطبيب المعالج، والذي قابلناه بعد طول انتظار، لشدة الازدحام في المستشفى، خصوصاً بعد عطلة العيد.

3350842237
هكذا تخيلت الأشعة 

وما أن التقى بنا هذا الطبيب، حتى بدأ يوضح لنا أن الأولوية الآن لعلاج الرقبة، وما حولها، لأنها مصدر الألم حتى الآن، لذا سيوقف العلاج الكيماوي مؤقتاً، حتى ينتهي من علاج الأشعة. وتساءلت مع نفسي في الحال، هل ستنجح الأشعة مع هذا النوع من الورم، بعد أن فشل معه العلاج الكيماوي؟ فيزيائياً قد يكون هذا الاستنتاج صحيحاً، فالأشعة توجه مباشرة إلى الخلايا المصابة، أما العلاج الكيماوي فهو خبط عشواء يُوجه إلى خلايا الجسم كافة، فقد يصيب الخلايا المصابة أو الخلايا السليمة على حد سواء.  

2016-10-15-18-31-38
أنا وأبنائي في قسم الأشعة

أما الجولة الأخيرة لنا بالمستشفى فكانت في عيادة الألم، والتي تمت فيها إعادة توزيع العلاج في مواعيد جديدة، وبكميات جديدة أيضاً. بعد تحقيق طويل من طبيب عيادة الألم حول الألم وشدته وأوقاته. عقب هذه الجولة، قفلنا عائدين إلى البيت، يملؤنا شعور كبير بالأمل، فقد اهتدت بوصلتنا إلى طريقها الصحيح مرة أخرى. وتساءلت هل تصيب الأشعة سرطاننا بمقتل أم أنه سيفلت منها كما فلت من العلاج الكيماوي؟ فلو فشلت الأشعة هذه المرة بطرده، فسنقاومه، لكن بوسائل أخرى لا أعلمها، لكنني أعلم أنه لن يفلت أبداً منها. ومع هذا أقول لا أحد يعلم ما يخبئه لنا القادم من الأيام.

الثلاثاء 20/9/2016:

%d9%85%d9%88%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b1%d8%af%d9%86%d9%8a%d8%a9-2016
الانتخابات النيابية 

على الصعيد السياسي، اليوم يوم انتخابات مجلس النواب الاردني. أما على الصعيد الشخصي، فهو يوم الاستفراغ العالمي، لقد استفرغت مرة بعد الفطور، ومرة ثانية بعد الغداء، مما جعل العشاء يقتصر على البطاطا المسلوقة فقط.. حدث كل هذا، لأن دكتور عيادة الألم كان قد رفع جرعة المورفين، حتى وصلت 90 ملغم يومياً، ناهيك عن بضع حبات هنا وهناك، عندما كان يشتد الوجع. وفي هذا اليوم، فهمت شعور العديد من المواطنين، بعدم أهمية الانتخابات بالنسبة لهم، فأولويات العلاج، ولقمة العيش، والسكن، تفوق رفاهية الانتخابات واجتماعاتها ومناسفها.    

20140730_154148
بعض الأحفاد

في هذه الأيام، بدأت تساؤلات كثيرة تصدر عن أحفادي الصغار حول جدّهم، والتغيرات التي كانت قد حصلت عليه، فهم لم يعتادوا رؤيتي ممدداً أغلب الأيام، دون أن ألاعبهم أو أسألهم أسئلة رياضية، وتنوعت إجابات أبنائي وزوجاتهم في شرح ما حدث لجدهم، فمنهم من باح بالحقيقة كاملة غير منقوصة، ومنهم من اكتفى بالإشارة إليها عن بعد، دون الخوض بالتفاصيل. لربما يعود ذلك إلى طبيعة الفرد منهم، فمن يتحلى بالشفافية، كاشف أبناءه بالوضع كما هو، ومن هو بعيد عنها أوضح لأبنائه بعض الحقيقة. على الرغم أنهم كلهم أبنائي، إلا أن كلاً منهم ينتمي لمدرسة فكرية مختلفة كما أنشأتهم في صغرهم.  

الأربعاء 21/9/2016:

2016-10-17-05-38-07في هذا اليوم كنا قد تلقينا اتصالاً تلفونياً من مركز الحسين للسرطان يفيد بأنه سيكون يوم الخميس هو أول أيام مواعيد العلاج بالأشعة، وكان هذا الاتصال قد أفرحني، وجعلني أشعر بشيء من الراحة أفضل من ذي قبل، تبعه نشاط يومي جيد، مقارنة بالأيام السابقة، لهذا فقد اقترح علاء تقليل جرعة المورفين التي أتناولها يومياً، إلى أن تصل إلى إلى 60 ملغم يومياً، بشرط أن يكون هذا التقليل على التدريج.  

الخميس 22/9/2016: 

2016-10-15-18-32-50
داخل أحد غرف العلاج بالأشعة

في هذا اليوم بدأت مرحلة العلاج بالأشعة، مع كل ما يشوبها من تخوفات، إذ سمعت الكثير عن أعراضها الجانبية من حرقٍ وألمٍ شديد أثناء وبعد الجلسة. ذهبت مع زوجتي وأبنائي إلى المركز عند الموعد المحدد، ليتم إدخالي إلى غرفة الأشعة، وإلباسي القناع الذي تم تفصيله مسبقاً. رغم أن أبنائي يزعمون أن الجلسة لم تتجاوز العشرين دقيقة، إلا أنني أجزم أنها لم تقل عن ثلاث ساعات، فالقناع كان يضغط على رأسي من جميع الجهات، وكانت الحركة ممنوعة، والتجربة جديدة، وفيها رهبة وخوف.

003
قاعة الانتظار 

ولا بد لي هنا من الإشارة إلى شخص كبير في السن، عليه ملامح الوقار، كان يجلس بجاني في قاعة الانتظار، قبل دخولي إلى غرفة الأشعة، توقعت أنه كان قد خاض التجربة من قبل، فسألته عن تأثيرات هذه الأشعة، فكانت إجابته لي قد أراحتني قليلاً، وطمأنتني أكثر، بأن تخوفاتي من الحرق والألم غير صحيحة. وبعد دخولي إلى غرفة الأشعة، جلست زوجتي وأبنائي الثلاثة، مع الطبيب المسؤول بالأشعة، والذي شرح لهم عدد ونوعية الجلسات، وتأثيرها المتوقع على الجسم.   

2016-10-15-15-03-24
آثار القناع الأول في حياتي!

أما القناع، وما أدراك ما القناع؟ فقد أعادت لي تجربة تفصيل القناع على وجهي، ذكريات عديدة وقديمة وحديثة، لكثير من الناس الذين كنت قد عرفتهم في حياتي، وهم يحترفون لبس الأقنعة. ليتهم يرون ما أكتبه الآن، ليعلموا أن آثار القناع لا تزول، ولا تختفى، حتى ولو أزالوا أقنعتهم من على وجوههم. أما أنا، فقد ظهرت آثار القناع على وجهي بعد الجلسة الأولى مباشرة، ربما لأنني لم أتعود على لبس الأقنعة في حياتي، ولو لمرة واحدة، أما هم فربما لن تظهر على وجوههم أية آثار تذكر، لأن وجوههم تعودت لبس الأقنعة منذ زمن طويل. 

الأحد 25/9/2016:

2016-10-15-18-31-38
أنا وأبنائي في قسم الأشعة

في هذا اليوم، تتابعت جلسات العلاج بالأشعة من اليوم وحتى الأربعاء، كما صحبها إبرة للعظم، وصورة أشعة يوم الإثنين، بناءً على طلب الطبيب المعالج. وعند انتهاء هذه الجلسات، قمنا بمراجعة عيادة الألم، والتي خفّضت جرعة المورفين إلى 60 ملغم يومياً مرة أخرى. المهم أننا لن نعلم نتيجة علاج الأشعة قبل ستة أسابيع. مما يجدر ذكره، ومن خلال هذه التجربة بالمركز، أن الحفاظ على خصوصية المريض ومعلوماته مهمة، حتى في إسمه فالإسم عندهم ذو أهمية كبيرة جداً، فعلى سبيل المثال، يقوم الممرض أو الإداري في أغلب أقسام المستشفى بالنداء على المرضى بأرقامهم، دون الكشف عن أسمائهم.      

 تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

(13) عيد الأضحى في المستشفى (13)


الأحد 11/9/2016:

2016-10-07-14-06-30
في قسم الطوارئ مع المُسكّن 

لم أفكر يوماً من الأيام أن يأتي عيد الأضحى المبارك وأنا أتمدد على سرير المرض في غرفة من غرف مستشفى. وأي مستشفى؟إنه المستشفى الذي يكون الداخل إليه مفقوداً والخارج منه مولوداً. كان هذا اليوم وقفة حجاج بيت الله فوق جبل عرفات، وبعض أفراد أسرتي كانوا صائمين. أما أنا فكنت أتألم بأشد أنواع الألم، رقبتي كعمود مُثبت بأسلاك عدة تمنعه من الحركة والتحرك في كافة الاتجاهات إلا في جهة واحدة للأمام فقط، وتمسك بكتفاي ملْزمة تضغط عليهما إلى الداخل، وتمنع يداي من الحركة. فلا وقت للتأجيل حتى ولو كان هذا اليوم هو يوم عيد. فكان علينا كأسرة أن ننسى احتفالاتنا بهذا المناسبة ومتطلباتها ونذهب خمستنا إلى الطوارئ صباحاً. وما أن دخلت المستشفى حتى قام كادر التمريض فيه بوضع إبرة المسكّن في يدي اليمنى.

2016-10-15-18-32-51-4وعلى الرغم من أن قسم الطوارئ في هذا المركز كان شبه فارغ إلا أن الطبيب المناوب تأخر بالحضور وعندما حضر بدأ بطرح علينا مجموعة من الأسئلة الاستفزازية. ولم يكتفِ بذلك بل استمر في تعامله معنا بطريقة غير لائقة حتى أنه نسي أخلاق المهنة ونسي أن هذا اليوم هو يوم عيد وعليه أن يوسع صدره للمرضى في هذا اليوم أكثر من غيره من الأيام. وبقينا في قسم الطوارئ إلى ما يقارب نصف الساعة ثم غادرناهم إلى البيت ومعنا الأدوية التي وصفها لنا هذا الطبيب والتي هي نفسها التي كان قد وصفها ابني علاء.

2016-09-17-05-19-04-2
في لحظة راحة نادرة

في البيت اشتد الألم أكثر، حتى أنني أصبحت غير قادر على الجلوس أكثر من دقائق معدودة، وأصبحت أقضي معظم وقتي مضطجعاً على السرير بوضعية معينة هي فقط التي تريحني نسبياً، وأصبحت بحاجة إلى من يساعدني في كل شيءٍ، عند النوم أو الاستيقاظ، عند خلع الملابس وارتدائها، حتى أنه أصبح دخول الحمام عندي على مراحل. كل هذا جعلني أتهرب من استقبال من يريد زيارتي من الأقارب والأصدقاء، وعزّت عليّ نفسي حتى أنني كنت أرفض أن يكلمني أحد من المعارف والأصدقاء ولو تلفونياً فلم أكلم من كان يود محادثتي في تلك الفترة وهذا يعني أنني كنت أرفض حتى مجالسة الناس، أو استخدام الكمبيوتر، أو قيادة السيارة، بل حتى كان يجبرني الألم على تناول الطعام بسرعة قبل أن يأتي الوقت الذي فيه سيشتد أكثر. 

الإثنين 12/9/2016

153321_8_1439025346
المسكّنات، وما أدراك ما المسكّنات؟

كل عام وأنتم بخير.

هذه الكلمات لم أنطق بها لأحد، ولم أسمعها من أحد، رغم تكرارها على مسمعي مرات ومرات، فالألم كان قد أخذ مني كل مأخذ، ولم يعد لساني ينطق غير الآهات، وأذناي لم تسمعا غير آهاتي. واضح أنه حتى مع مضاعفة جرعة المسكّنات لم يطرأ عليّ أي تغيير يُذكر مما دفع زوجتي وابني ضياء لمراجعة طوارىء المركز صباح اليوم والاستفسار عن مُسكّن أقوى، علماً بأن زوجتي أخبرت طبيب الطوارىء بمضاعفتنا جرعة المسكنات، كما نصح علاء، فما كان من الطبيب إلا إعلان تذمره وغضبه بسبب تصرفنا في مضاعفة الجرعات المسكنة دون استشارة المركز، وبعد شدّ وجذب صرف لي نفس المسكّن بعيار مضاعف بعد أن أكّد علينا مراراً وتكراراً بعدم تجاوز الجرعات المقررة. 

الثلاثاء 13/9/2016:

2016-09-15-17-41-12-1
بعد 67 سنة خبرة ثانوي!

تواصل ابني علاء مع الطبيب المسؤول، وبعد أن شرح له الحالة، أوصى بإدخالي إلى المستشفى بهدف السيطرة على الألم أولاً، وترتيب موعد سريع مع قسم الاشعة العلاجية ثانياً، وذلك للبدء في معالجة الورم في منطقة الرقبة الذي قد أصبح له أولوية في العلاج. ولما نفّذنا ما أوصى به الطبيب ودخلنا قسم الطوارئ استقبلنا الفريق الطبي المتواجد هناك، وعلى الرغم من احترافية الطبيب المناوب، إلا أنه تعامل معنا بفظاظة عندما طلبنا منه إدخالي إلى المستشفى بناء على طلب الدكتور المعالج. وبعد إجراء التحاليل المطلوبة، تمت الموافقة على إدخالي إلى المستشفى، غرفة رقم 516.

2016-09-21-04-59-42-4
الحاسوب من أمامي والسرير من خلفي

بعد الإدخال، توافد علي مجموعة كبيرة من طاقم التمريض والأطباء والخدمات، كل في مجال اختصاصه لسحب ما أحتاجه من عينات، ومراقبة درجة الحرارة وضغط الدم ومستوى السكر فيه. بعدها قام فريق الألم بزيارتي، والاستماع إلى تفاصيل المرض، والاستفسار عن طبيعة الألم، وقوته، والأماكن الأكثر ألماً في جسمي. وبعد تحليل كافٍ لكافة المعلومات نصحونا بالبدء بجرعة من المسكن القوي (المورفين)، والاستمرار في هذه الجرعة لتحديد مستوى الجرعة المطلوبة لحالتي، مما استدعى بقائي في المستشفى حتى يتم تقرير الجرعة المناسبة. قضيت هذا الوقت جالساً أمام الحاسوب أو متبادلاً لأطراف الحديث مع أفراد الأسرة حسب ما كان يفرضه عليّ الألم.

هذه أول ليلة في حياتي أبيت فيها بمستشفى.

الأربعاء 14/9/2016:

2016-09-17-05-18-57-2
تناول الإفطار في المستشفى

بعد تناول الفطور قدّم لنا علاء طبقاً من التين (الحماضي) ورغم أنني في البداية رفضت أكله لعلمي بأن موسمه كان قد انتهى، إلا أنني بعد أن تناولت منه حبة أعجبني وكررتها مرات ومرات. وفي هذه الأثناء زارنا الطبيب المعالج ضمن جولته الصباحية على مرضاه وطلبت منه بإصرار مغادرة المستشفى اليوم إلا أنه استطاع أن يُقنعني بضرورة البقاء لليلة أخرى في المستشفى لمراقبة جرعة المسكّن التي أحتاجها وتحديد مستواها في الأيام القادمة. وأصرّت زوجتي على المبيت عندي في المستشفى رافضة محاولات أبنائي الثلاثة بأن ينام أحدهم بدلاً عنها.

الخميس 15/9/2016:

2016-09-17-05-19-02-2
الإبرة اللئيمة!

صباح هذا اليوم قرر الأطباء الموافقة على خروجي من المستشفى وإنهاء رحلة إجازة العيد في المركز فطلبت من كادر التمريض أن يزيل من يدي مكان وجود الإبرة (Cannula) إلا أنهم أصرّوا على بقائها في مكانها حتى تحين ساعة الخروج تحسباً لأي طارئ، وعندما أزالوها من يدي شعرت براحة كبيرة. وغادرت المستشفى مع زوجتي وأبنائي يتملكني شعور بالحرية تماماً كالأسير الذي خرج للتوّ من سجنه. وما أن وصلنا البيت حتى بدأ الألم يخف مع إحساس نسبي بالراحة والحرية في المنزل، والجلوس أمام جهاز الكمبيوتر عند الإمكان، ومتابعة مدونتي الخاصة، وتبادل أطراف الحديث مع زوجتي وأبنائي وزوجاتهم وأحفادي بالإضافة إلى أصدقائي في وسائل التواصل الاجتماعي.  

يبدو أننا لا نقدّر قيمة بيوتنا إلا عندما نضطر إلى مغادرتها. 

 تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

سأقرأ لك كل ما تكتب


313809_403426536412353_1740997856_n

أخي جميل أنا أقرأ كل ما تكتب منذ أن أكرمنا الأخ أكرم عطوة وأسس لنا مجموعة أصدقاء جامعة حلب القدامى. أعجبني كل ما قرأته لك وأنا على يقين أنني سوف أقرأ لك طالما في العمر بقية لما تتمتع به من معنويات عالية لقهر هذا الزائر غير المرغوب فيه أبداً ألف سلامة عليك.

Hamad Abdullah

قُرّاء أعتزّ بآرائهم

werathah2511werathah2511

(12) وابتدأ المشوار (12)


الثلاثاء 6/9/2016:

%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a7%d8%af%d9%88%d9%84
الترامادول

شعرت مساءً بألم حاد في الرقبة والكتف الأيمن بطريقة جعلتني لا أشعر بالراحة إلا في وضع النوم فقط. ولذا تحدث علاء مع الطبيب المعالج الذي نصحه بأخذي مباشرة إلى طوارىء مركز الحسين للسرطان حيث قام الفريق الطبي هناك بالإجراءات المطلوبة من تحاليل وفحوصات وأشعة وعلى إثر ذلك تم صرف العلاجات اللازمة لي من مُسكنات أهمها الترامادول والذي يُعتبر من الأدوية المخدّرة ومن ثم غادرنا المركز قرب منتصف الليل آملين أن أسلحة المسكّنات الي صُرفت لنا تكون كافية لمواجهة الألم الذي أعانيه. 

tumblr_mcc5fulswl1r4y4qfo1_500كان من المُفترض ظهور نتائج جرعتيْ الكيماوي بعد عشرة أيام من تناولها لكن للأسف يبدو أن النتيجة سارعت بالظهور قبل موعدها المحدد من قبل الطبيب، حيث كانت بوادر هذه النتيجة وجود نقطتيْ ورم في جهة الرقبة اليمنى، مما يعني احتمال انتشار الورم إلى أماكن أخرى في الجسم. لذا صاحبني في تلك اللحظة شعور بخيبة الأمل لما قد عانيته من آثار سلبية من العلاج الكيماوي في الجلستين الماضيتين والتي ذهبت سدىً وهذا يعني أن المشوار ابتدأ من جديد بنقطة لصالح هذا المرض اللعين. 

الأربعاء 7/9/2016: 

1-8يبدو أن المسكّنات التى صُرفت لي بالأمس لم تفِ بالغرض المطلوب منها حيث أن الشعور بالألم والوجع لا زال موجوداً لا بل استمر بطريقة أسوأ مما كان عليه فلم أعد أستطيع الجلوس أكثر من دقائق معدودة حتى أنني لم أستطع استخدام الكمبيوتر في هذا اليوم وعلى إثرها اقترح علاء (صيدلي) مضاعفة هذه الجرعة المسكنة، وفعلاً بدأت بتناول جرعات الترامادول بطريقة مضاعفة عما صُرفت لي بالأمس لعلّ هذا الألم اللعين يهدأ. 

الجمعة 9/9/2016: 

dsc01058-copy
من رحلة سابقة إلى اسطنبول

عاد بهاء من السعودية وقد بدأ الألم يتراجع عندي بل بالعكس شعرت أن معنوياتي مرتفعة أكثر من اللزوم مما جعله يقترح علينا أن نقوم نحن الخمسة بزيارة عائلية إلى اسطنبول غداً أو بعد غد نقضي فيها بعض الوقت للنقاهة من العلاج. وقد راق لي ذلك العرض إلا أنه لم يرُق لزوجتي حيث كانت مُتخوفة من السفر إلى خارج الأردن (حتى ولو إلى فلسطين) وحدوث بعض أعراض المرض التي لا نستطيع مجابتها لوحدنا. وبعد شد وجذب من علاء وبهاء في محاولات حثيثة لإقناع والدتهم بالسفر وافقت على مضض بشرط استشارة الطبيب المعالج.

46c8eef95b88129f1157d1c8464e1303_xl
منتزه نسيم الجبل 

والذي رفض رفضاً باتاً السماح لي بمغادرة الأردن مهما كانت الأسباب. فتنازل بهاء عن عرضه الأول وقبل بالسفر إلى العقبة فرفضت أنا هذه المرة لأن طريق العقبة طويل وقد أتعب في هذا المشوار وجاء علاء بعرض آخر أقرب من العقبة وهو قضاء بعض الوقت في منتجع نسيم الجبل في السلط نتمتع فيه بالمناظر الطبيعية الخلابة ونقترب أكثر من فلسطين ومع ذلك قوبل هذا الاقتراح بالرفض القاطع من زوجتي.      

imagesيقول الناس في أمثالهم الشعبية أن قلب الأم دليلها نحو أبنائها أما أنا فأقول عندما تموت الأم تحاول الزوجة أن تنوب عنها وتحاول أن تقوم بدورها فإذا كانت هذه الزوجة مُحبّة لزوجها وبيتها وأولادها يصبح قلب هذه الزوجة دليلاً لزوجها أيضاً وليس فقط لأولادها. فممانعة زوجتي القاطعة للسفر في البداية والنهاية كانت بالنسبة لي هي صمام الأمان الذي جنبني متاعب جمّة كنا قد نتعرض لها في الأيام القليلة القادمة. 

السبت 10/9/2016: 

2016-09-15-17-41-16-1
بيروت في عمان 

وبما أن اسطنبول والعقبة وحتى السلط باتت بعيدة المنال، فقد رضينا بالصناعة المحلية ذات الصبغة اللبنانية. فذهبت مع زوجتي وعلاء وبهاء إلى بوليفارد العبدلي فأنا أدخله لأول مرة، وعندما دخلته دُهشت عندما رأيت بيروت في عمان، مطاعم ومقاهي في الطرقات، وفنادق فخمة، وشباباً وصبايا. وبعد أن تجولنا في هذا البوليفارد شعرت على الفور بحجم الشرخ الكبير الذي أصاب مجتمعنا وتساءلت في نفسي إلى أين سنصل بعد كل هذا الانفتاح الكبير في مناطق معينة؟ وانغلاق أكبر في أماكن أخرى غير معينة؟ فهذا الانفتاح الكبير والانغلاق الأكبر سيؤدي بنا في المستقبل القريب إلى انقراض الطبقة الوسطى من مجتمعنا. وبما أنني من هذه الطبقة بدأت أشعر بتعب شديد جداً أجبرنا على قطع مشوارنا والعودة للمنزل لنخلي المكان لغيرنا من أهل هذا الانفتاح الكبير. 

 تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

(11) 1 – 0 لصالحي (11)


الخميس 25/8/2016:

14713693_10210915774552895_7800865374018599691_n
زحمة الجسر عند نقطة استلام الحقائب

وصلنا بيتنا في عمان، عند ساعة متأخرة من ليلة الخميس، وكنت مسروراً جداً بعد هذه الرحلة، لولا قليل من المعاناة التي وجدناها في نقطة تسليم الحقائب والأمتعة في الجانب الأردني من جسر الملك حسين، ومع هذا يكفيني أن كحلت عيناي، برؤية وطني وبيتي ومسقط رأسي في هذه الرحلة، التي كانت تعادل عندي عدة رحلات مشابهة لها، في أماكن سياحية أخرى.

الجمعة 26/8/2016:

2016-09-15-17-41-16-1
بدايات الحلاقة دون حلاق

في الصباح الباكر، بدأتُ أشعر بتساقط شعري لأول مرة، فأصبحت كمن حلق رأسه دون حلاق. هل كانت صدفة أن يبدأ تساقط شعري بعد عودتي مباشرة من فلسطين؟ هل كنتُ سأزور فلسطين، لو سقط شعري قبل هذه الرحلة؟ هل كتب الله لي السفر قبل أن أدخل هذه المرحلة من محاربة السرطان؟ هل سيسجل السرطان نقطة له بعد أن سجلتُ نقطة لي في سفري؟ تساؤلات كثيرة، بدأت تظهر على السطح، أحمد الله أني لم أضطر إلى الإجابة عليها. المهم أنني أصبحت اليوم مستعداً لكل الاحتمالات، وجيوشي المقاومة لن تهتز بسقوط بضع شعرات هنا أو هناك.   

الأحــد 28/8/2016: (الجلسة الأولى من الجرعة الثانية)

2016-10-07-13-53-11-1
العلاج الكيماوي 

وصلنا إلى مبنى العيادات الخارجية لمركز الحسين للسرطان دون معاناة تذكر هذه المرة، فقد اكتسبنا خبرة كافية في إيجاد موقف للسيارة، ودخلنا إلى قاعة العلاج الكيماوي، وهي عبارة عن قاعة واسعة في منتصفها كاونتر بيضاوي مزود بأجهزة كمبيوتر، وفوق هذا الكاونتر كمية من الساندويشات، وزجاجات المياه، والعصير لمن يريد مجاناً، ويحيط به وبين الحائط كراسي مريحة، يجلس المريض على أحدها عند أخذه الجرعة، وما أن وصلنا حتى قامت الممرضة بقياس الضغط والحرارة والوزن، واخترت كرسياً من الكراسي الخالية، وجلست عليه، وأخذت الجرعة المقررة التي استمرت قرابة الساعتين. وفي اليومين التاليين، خضعت للجلسة الثانية والثالثة من نفس الجرعة. 

 تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

(10) فلسطين بين الجرعتين (10)


الخميس 18/8/2016

dsc04238
بيتنا في سلفيت 

في الصباح الباكر استيقظنا مبكراً لنشرب القهوة ونسبق العصافير والطيور إلى قطف التين (الزراقي) من تينتنا الموجودة في الحديقة. بعد ذلك بدأت في تنظيف حديقة المنزل وساحاته وتقليم أشجاره حتى بدأ الأقارب يتوافدون علينا -مشكورين- والذين اندهشوا من وجودنا دون سابق إنذار حتى أن منهم من كان يتفحصني من أعلى رأسي إلى أسفل قدمي خِلسة ليرى آثار المرض دون أن يشعرني بالحرج، بل منهم من أقسم أنني أبدو هذه المرة أفضل صحة من المرات الماضية! لا أدري إن كان ذلك مجاملة أم هذا ما رأوه فعلاً. 

الجمعة 19/8/2016

2016-10-12-17-11-51-1
مناقيش الزعتر البلدي في بيت أبو العبد

في الصباح الباكر انطلقنا إلى بيت ابن عمي أبو العبد في خربة قيس (مسقط رأسي) لتناول طعام الفطور المكون من خبز القمح والمعجنات والمناقيش المصنوعة من الزيت البلدي والزعتر البري والمخبوزة على نار الحطب، تلاه طبقاً من التين (الخروبي) وبعد تناول ذلك الفطور أخذنا أبو العبد في سيارته في نزهة إلى مزارع الزيتون القريبة ومن ثم أعادنا ظهراً إلى بيتنا في سلفيت لأخذ قسط من الراحة فنحن على موعد مع ابن خالتي أبو علي لتناول طعام الغداء في خربة قيس ثانية وبعد الغداء قدم لنا أبو علي التين (الخرطماني) والعنب (السلطي) ثم أعادنا في سيارته إلى بيتنا في سلفيت. 

20160603_144801
حفرة الزرب في بيت أبو علي

اختار أبو علي لنا أكلة الزرب مؤكداً أن هذه الأكلة لا تقدم إلا إلى الأحباب الغاليين وأتبع كلامه قائلاً: وأنتم بالنسبة لنا من أغلى الغاليين على قلوبنا. وهذه الأكلة القديمة الجديدة كانت قد اندثرت مع ما اندثر من أكلات الماضي لكنها عادت إلينا بقوة وأصبحت حفرة الزرب ركناً أساسياً يجب أخذها بعبن الاعتبار عند تصميم البيت. في المساء تدفق علينا الزوار وبقوا في ضيافتنا حتى ساعة متأخرة من الليل لأذهب بعدها في جولة مسائية مشياً على الأقدام حول البلدة. 

السبت 20/8/2016

20160825_084402-2
حبة التين إذا لم تجد من يأكلها

في صباح هذا اليوم، سافر بهاء إلى عمان ليلتحق بعمله في جدة بالمملكة العربية السعودية، وقضينا بقية اليوم في تنظيف الحديقة، وتقليم أشجارها، وأول ما بدأنا به تقليم شجرة التين، وإعادة هيكلتها من جديد بعدما هرمت، ومنها انتقلنا إلى باقي الأشجار،  وفي المساء استقبلنا زوارنا المقربين. بعد يومين من زيارتنا لفلسطين، أصبحت أشعر أن لدي الكثير الكثير لأنجزه، وأن الأرض والشجر يحتاج إلى من يرعاه، تماماً كبني البشر. 

الأحد 21/8/2016

10612925_10205544917527377_5826603569109999439_n
علاء وبهاء وضياء 

عاد علاء من رحلة عمل إلى السعودية وفور عودته إلى عمان اتفق مع إخوته على أن لا يتركونا في فلسطين وحدنا فتطوّع علاء أن يلحق بنا وعلى الفور تحرّك من عمان بسيارته بحدود السابعة مساءً وبما أننا في منتصف فصل الصيف فقد كانت الحركة على الجسر في تلك الفترة تشهد أزمة حادة، وعلى الرغم من ذلك تمكن من الوصول إلى سلفيت الساعة الثانية فجر الاثنين بعد أن فقد هويته الفلسطينية على الجسر.

الإثنين 22/8/2016

14729222_10210915462745100_5972046516356577845_n
الهوية الفلسطينية

كانت معظم تحركاتنا في هذه الرحلة مفاجئة؛ فجميع من حولنا يعرفون أن بهاء هو الذي معنا في سلفيت لكن من رأوه اليوم معنا هو علاء فاحتار الكبار واختلط الأمر على الصغار. وفي هذا اليوم أيضاً راجع علاء الجهات الامنية الفلسطينية في سلفيت لاستصدار هوية جديدة بدل الهوية التي فقدها بالأمس على الجسر لكنه نسي أن يأخذ معه جواز سفره فقام على الفور ابن عمي زكريا بتوصيل الجواز له لدى دائرة الاحوال المدنية وقد استطاع علاء أن ينجز هذا الموضوع قبل الظهر وبمساعدة مشكورة من ابن خالتي أبو علي.

A picture shows of the Chinese palace on a mountain village of Kharas northwest the West Bank city of Hebron
القصر الصيني في خاراس 

عصر هذا اليوم اتصل أصدقاء لعلاء من الخليل فور علمهم أننا في فلسطين لترتيب زيارة للسلام علينا والاطمئنان على صحتي، إلا أن الاقدار شاءت أن يُعكس الترتيب فيستضيفونا في خليل الرحمن، فهي من المدن المظلومة لبعدها عنا حيث لم أتمكن من زيارتها إلا مرتين الأولى وأنا في المدرسة والثانية مع صديقي المرحوم عبدالمجيد الصرفندي في سنة 2000. وعلى الرغم من سعادتي للذهاب في هذه الرحلة، إلا أن زوجتي تملّكتها مشاعر الخوف من جنود الاحتلال المنتشرين على طول الطريق وداخل المدينة، لكن لم تفلح محاولاتها بإثنائنا عن السفر في اليوم التالي. 

الثلاثاء 23/8/2016

14590390_10210915704911154_8131613318038754491_n
مع مضيفينا في الخليل

كان يوم الخليل من الأيام المميزة في الرحلة إلى فلسطين، فما لقيناه من حفاوة الاستقبال من أصدقاء علاء ومحاولاتهم الجاهدة لإكرامنا كان محل سعادتنا، حيث طافوا بنا على أغلب مناطق الخليل رغم ضيق الوقت كما زرنا القصر الصيني في خاراس وتناولنا الغداء في مطعم أبو مازن أحد أشهر المطاعم في الخليل ثم أصر مضيفونا مشكورين على توصيلنا إلى رام الله عصر اليوم لزيارة منزل عديلي ومنه انطلقنا جميعاً إلى سلفيت متعبين تعباً مميزاً.

الأربعاء 24/8/2016

2016-10-12-17-11-52-2
زيتونة زرعتها قبل عام

صباح هذا اليوم انطلقنا بالتنسيق مع ابن عمي زكريا لزيارته والعائلة في منزله في خربة قيس، ومن ثم اصطحبنا بسيارته أنا وزوجتي وعلاء لرؤية بيت العائلة القديم (مرتع الصبا)، كما زرنا مجموعة من المعالم القديمة، والتي تحمل ذكريات عمرها أكثر من خمسين عاماً، حيث عاد بي شريط الذكريات إلى أيام الطفولة بكل ما تحمله من مشاعر. وما أن انتهينا حتى عاد بنا ابن عمي إلى بيتنا في سلفيت، حيث كنا على موعد مع لفيف من الأهل والأقارب للسلام علينا وتوديعنا.

الخميس 25/8/2016

14720533_10210915759952530_6603546793823854058_n1
تبييض سيقان الشجر

اليوم نعود إلى عمان. وقبل ذلك ودعت بيتي بصمت، دون أن يشعر أحد ممن هم حولي، ودّعته حجراً حجراً، وشجرةً شجرةً، وألقيت عليه النظرة الأخيرة، فلربما تكون هذه الزيارة الأخيرة، لكنني في قرارة نفسي، كنت مسروراً جداً، بعد أن استطعت تسليمه لأولادي جاهزاً مجهّزاً من كل  شيءٍ على مدى سنوات، وقلت في نفسي: اللهم اشهد أنني كنت قد أتممت رسالتي من كل شيء، وسلمتها لأولادي، وكلي ثقة بأنهم على قدر هذه الرسالة، فالأرض أمانة، والبيت أمانة، وهما يمثلان قيمة رمزية ومعنوية، تفوق قيمتهما المادية، مئات المرات. 

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون