الخميس 27/10/2016:
في هذا اليوم صحوت من نومي مبكراً في حدود الخامسة صباحاً، فهذه أول ليلة أنام فيها نوماً هادئاً متصلاً دون انقطاع، ودون ألم، ودون جفاف، ودون لعيان، أما انتفاخ القدمين الذي أصبت به حديثاً، فقد خفّ إلى النصف تقريباً. غريبٌ أمر هذا المرض، فما أن يترك عضواً في الجسم حتى يتشبث بغيره، فهو شرسٌ غدّار، حتى أن دفاعات الجسم البشري تعجز عن مواجهته، رغم كل ما وهبها الله به من أسلحة المقاومة. لم يطل غياب اللعيان، فقد عاد بعد الفطور مباشرة، رغم محاولاتي مقاومته بالعلاج وحتى بمشروبات الأعشاب التي أعدتها زوجتي، حيث بقي يرافقني طوال النهار.
لا بد أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.

أما في الليل، فحدث ولا حرج، فقد أخذتْ تخرج من صدري حشرجة على شكل أصوات موسيقية مع ضيق في التنفس منعني من النوم، وبقيت أتقلب في الفراش حتى الحادية عشرة ليلاً، عندما سمعت صوت أول زخات مطر لهذا العام، فقمت وفتحت النافذة وأخرجت رأسي منها، وبدأت أتنفس عبق المطر، فأخذ ضيق التنفس يزول تدريجياً، حتى أنني عدت إلى فراشي ثانية، لأحظى بنومٍ غير متقطع حتى الخامسة صباحاً، تخللها حلم راودني عن الموت والدار الآخرة، فكانت الآخرة على شكل فتحة كبيرةٍ جداً بابها واسعٌ مضيء دون وجود مصدر لهذا الضوء، ربما يشبه ما رأيت الفوهة المحيطة بالحجر الأسود في المسجد الحرام.
السبت 29/10/2016:

في هذا اليوم قام أصدقاء علاء من محافظة الخليل المتواجدين في عمان بزيارتنا في بيتنا للسلام والإطمئنان على والد صديقهم، وذلك بعد أن استضافونا أثناء زيارتنا إلى الخليل قبل بضعة أسابيع، حيث قضينا وقتاً ممتعاً معهم في فلسطين. وعلى الرغم من إحساسي باللعيان والإرهاق الجسدي العام، إلا أنني آثرت الجلوس معهم وتجاذب أطراف الحوار حتى نهاية الجلسة.
الأحد 30/10/2016:

صحوت من النوم على غير العادة، والكحة في أشدها، والبلغم يملأ حنجرتي، رغم أنني أخرجت منه ما استطعت، حتى أشعر بالقليل من الراحة، وبقيت على هذا الحال حتى الظهر، حيث حضر علاء ووضع الكريم على قدماي. بعد الغداء، انطلقت مع زوجتي وضياء إلى مركز الحسين للسرطان لزيارة عيادة الألم، ورغم أننا وصلنا في موعدنا الساعة الثانية ظهراً، وكان رقمنا 11، إلا أننا دخلنا إلى الطبيب بحدود الساعة الرابعة عصراً.

امتعض الطبيب مني بسبب عدم تركي التدخين إلى الآن. وبعد شد وجذب بيني وبينه، أوضح أن ترك التدخين سيساهم بشكل رئيسي في تحسين جودة الحياة (Quality of Life)، وليس بالضرورة تقديم الشفاء الكامل في حالتي. ولأن الطبيب هذه المرة، ولأول مرة في حياتي، لعب على الوتر الحساس الذي يدغدغ عواطفي وعقلي على حدٍ سواء، فقد عدت إلى المنزل ليلتها، وكلي عزمٌ على ترك التدخين، فلم أضع أي سيجارة يومها في فمي بعد أن عقدت النية على فراقه فراقاً أبدياً.
ترى كم نسبة من يتركون التدخين بعد إصابتهم بمرض السرطان؟
ليلاً، ما زالت الحشرجة والصفير وضيق التنفس يلازمونني، إلا أنني تمكنت من اختطاف بضع ساعات من الغفوة، دون أن أفتقد سيجارتي المفضلة قبل النوم، والتي كنت أنتظرها بفارغ الصبر، أراجع بها ما حدث في يومي وأخطط لغدي. ما أنا فيه الآن أعظم وأكبر من تلك السيجارة.
تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

أستاذي الفاضل، هي الأيام تمضي مُسرعة، يمّر فيها على ذاكرتنا خلالها أشخاص كُثر، كثير منهم من يُحفظ في الذاكرة بشكل مؤقّت، وعدد قليل جدّا ما يرسخ بالذاكرة كشجرة زيتون، لا تُزحزحها قوّة ولا ريح،
لم تكن مجرّد مُدرّس لمادة الرياضيات فحسب، بل ومربيًّا فاضلاً، أذكر جيداً، ذاك المثال الذي كُنت تضربه لنا عن عنجهيّة العرب الجاهلية،”واحد كان شايف حاله، وكان يقول: يا أرض اشتدي، ما عليك قدّي، كان يحط رجله على باب الزقاق، ويمنع المارّة من الدخول والخروج، متى أراد، وفي يوم من الأيام، أجى واحد ما بسوا قشرة بصلة، قطع له رجله ومرّ”،ما زلنا عنجهيين الى يومنا هذا، فقد حرقنا الشام وياسمينها بعنجيتهنا الجاهليّة.
كم كان تمرين المُراجعة الصباحيّ، الذي كانت تخطّه أناملكم، والذي كان غالباً لا يتجاوز الخمس دقائق، منشطّاً ومحفزّاً قويّاً على التفكير، ومُساهماً في بناء فكر، ما زلنا نستخدمه يوميّاً في حل مشاكلنا الحياتيّة. أخبرني والدي قبل عامين تقريباً، في حديث سريع، نسيت عنوانه الرئيس اليوم حيث قال:”اللي ما بعرف رياضيات، مش ممكن يكون يعرف أو يفهم إشي بالدنيا”، حينها تكّونت صورتكم أمامي بشكل تلقائي، نعم، لقد تعلمت منكم: أن الرياضيات أكبر من ضرب أو جمع عددين. أسأل الرب أن تتجاوزوا هذه المحنّة، وأدعو الله لكم بالشفاء العاجل.









