الجمعـة 15/7/2016: 

في هذا اليوم، سافر بهاء إلى عمله، في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، بناءً على طلبي، وبدأ الشك يساورني أكثر، وأكّده لي طائر الصقير، الذي ترك عمان كلها، وجاورني في سكني، فكنت أسمع صوته المزعج دون أن أراه. ولمن لا يعرفه، فهو طائر صغير نسبياً، يصدر صوتاً حاداً ومزعجاً باستمرار، وهو نذير شؤم في الموروث الشعبي. وأتبع ذلك، سقوط لوحة الاسم المثبتة على باب البيت، منذ سنين طويلة، والتي اعتبرتها فألاً سيئاً أيضاً، وأخذني شريط الذكريات بعيداً، إلى أمي وأخي رحمهما الله، حيث تمكن منهما السرطان بعد معاناة مُرّة وطويلة، فهذا الزائر، ثقيل الظل، ليس غريباً على أسرتنا، وعلى الرغم من ذلك، لم يخطر ببالي يوماً، أني سأستضيفه رغماً عني، لأكون ثالثهما.       

الأحد 17/7/2016: 

في هذا اليوم، أظهرت نتائج تحليل الخزعة، التي كانت قد أجريت في مختبرات المستشفى الإسلامي،  لا بل أكّدت، أن هذا الورم من النوع الخبيث، لا بل، والخبيث جداً، فقد ظهر من هذا التحليل، أن هذا الورم، هو من أشرس أنواع الأورام التي تصيب الرئة. وكان وقع هذا الخبر على مسامع الجميع كالصاعقة، فأبكى كل من كان معي بكاءاً صامتاً، أما أنا، فتملكتني في تلك اللحظة مشاعر مختلفة، ومختلطة، من التحدي والخوف والاستسلام والرغبة الشديدة بالمقاومة. 

أحضر علاء معه الخزعة، وتحليلها من المستشفى الإسلامي، ووافانا بها على الفور إلى مركز الحسين للسرطان، فأنا وزوجتي وضياء كنا قد سبقناه إلى هذا المكان، الذي قيل عنه، أنه من أفضل المراكز المتخصصة لعلاج مثل هذه الأورام في الأردن، لا بل في الشرق الأوسط. وهذه الكلمات كنت قد سمعتها مراراً وتكراراً من أفواه الناس، لكنني كنت أعتبرها من قبيل المبالغة، كعادتنا نحن العرب، عندما نريد أن نصف شيئاً نملكه.

فبهذا الوصف، كنا قد وصفنا صواريخ القاهر والظافر في حرب 1967، وما أن دخلت هذا المركز، ورأيت مبناه، وطاقمه الطبي، والتمريضي، أيقنت أن ما قيل عن هذا المستشفى شئ قليل، فدخوله وحده بالنسبة للمريض هو نصف العلاج، وأصبحت أفاخر به الدنيا كلها، وليس فقط الشرق الأوسط، ورغم أني أمرّ كل يوم عدة مرّات من أمام هذا المركز، إلا أنني لم أتوقع يوماً أن أدخله مريضاً في وقت من الأوقات.

وذهبنا إلى مكتب الإدخال، وقدمنا لهم جميع التحاليل الطبية، وصور الأشعة الموجودة معنا من المراكز والمستشفيات المختلفة، وسرعان ما تمت الموافقة على قبول حالتي من قبلهم، رافضين الاعتراف بهذه التحاليل، وصور الأشعة إلا واحدة، ثم قام علاء بتقديم معاملة الإعفاء، من تكاليف العلاج إلى الديوان الملكي، وصدرت الموافقة الفورية بهذا الإعفاء، ومن ثم تم تحويلنا إلى قسم الأمراض الصدرية بالعيادات الخارجية، لأخذ موعد قريب. وبعد تحديد الموعد عدنا إلى البيت، وما أن وصلت البيت، حتى بدا لي أن طائر الصقير محقٌ في تنبؤاته.

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون