المكان: الدوار الخامس
الزمان : أيلول 1990

كانت المشكلة الكبرى للناس الذين لم يغادروا دولة الكويت بعد احتلالها سنة 1990 من قبل الجيش العراقي هو تدبير لقمة العيش (رغيف الخبز) له ولأولاده ولمن يعيلهم لأن الجيش العراقي في ذلك الوقت كان قد سيطر على كل المخابز التي كانت تعمل في الكويت وعلى كل مراكز بيع الخبز فيها وبهذا يكون هذا الجيش قد جعل الناس تزداد جشعاً وطلباً للخبز دون أن يدري طبقاً للقاعدة الذهبية التي تقول:كل ممنوع مرغوب.

ونظراً لعدم وجود الفواكه والخضار فقد إزداد إعتماد الناس على هذا الخبز أكثر من العادة وتضاعفت المشكلة أكثر بعد أن تقررت حصة الشخص الواحد بأربعة أرغفة في المرة الواحدة بعد أن ينتظم هذا الشخص في طابور طويل له أول وليس له آخر ويمتد لساعات طويلة قد تصل إلى أربع ساعات في بعض الأيام فاضطر كل ساكن في الكويت أن يأخذ زوجته والكبار من أولاده كي يجمعوا أكل يومهم.

وفي أحد الأيام كنت قادماً من جهة دوّار (البدع) في السالمية مُتجهاً إلى طريق الدائري الخامس أبحث عن مخبز زُوّاره قليلون نسيباً، لعلني أستطيع أن أشتري منه ربطة من الخبز أو ربطتين ليوم قادم أو يومين، وعندما وصلت نقطة التفتيش (السيطرة) التي كان قد نصبها الجيش العراقي مقابل محطة مياه السالمية مباشرة، وهذه السيطرة كانت مميزة عن مثيلاتها من نقط التفتيش بكثرة عدد أفرادها وآلياتها وضباطها وبوجود خيمة أو خيمتين يجلس وينام فيها الضباط المناوبون.

وعندما إقتربت من نقطة التفتيش هذه كان أمامي باص جديد يقوده مواطن عراقي ومرافق له وعندما مر هذا الباص عن نقطة التفتيش تكلم مع الجنود العراقيون بلهجتهم الخاصة فسمحوا له بالدخول وفي تلك اللحظة خرج الضابط المناوب من خيمته فلمح الباص وهو يمر من أمام هذه السيطرة فسأل الجنود المناوبين على الفور: من أين له هذا الباص؟ وكيف سمحتم له بالمرور؟ وعلى الفور طلب من جنديين بجانبه أن يلحقا بهذا الباص ويحضراه في الحال وأسرع الجنديان المسلحان على أول سيارة بعد الباص فكانت سيارتي.

فما كان من أحد هذين الجنديين إلا أن قام بفتح باب سيارتي الأمامي (دون إذني) وجلس بجانبي مادّاً بندقيته على فخذيه فوصل رأسها إلى بطني أما الثاني فقام بفتح الباب الخلفي وجلس في المقعد الخلفي من السيارة وطلبا مني بلهجة عسكرية اللحاق بالباص وبسرعة فما كان مني إلا أن دُستُ على دواسة البنزين بشدة أكثر إلى أن وصلنا دوار الجوازات وهناك سيكون أمامي أربعة خيارات لحركة الباص المطارَد فأيّ الطرق سأختار؟سألت الجنديين عن أي الطرق أسلك؟ فأجابني الجندي الذي يجلس بجانبي بشئ من اللامبالاة وقال: تأكد أننا لن ننزل من سيارتك هذه إلا على الباص حتى لو امتد بنا الطريق إلى بغداد فعليك أنت أن تختار الطريق المناسب وأنت حر في الإختيار لأنك تعرف الكويت أكثر منا.

عندها بدأت أحاور نفسي بنفسي وأقول: لصوص الباص مسلحون ومن معي من العسكر مسلحون أيضاً وسأذهب أنا وسيارتي ضحية أي إشتباك يحدث بينهما لهذا علي أن أتحاشا هذا الإشتباك مهما كلفني الثمن فما كان مني إلا أن أسلمت نفسي وسيارتي لله سبحانه وتعالى ليخلصني من هذا البلاء العظيم الذي نزل عليّ من السماء داعياً في سري أن يُلهمني الصبر والثبات وأن يساعدني في اختيار الطريق المناسب الذي سيؤدي بنا إلى اللحاق بهذا الباص لتنتهي هذه المغامرة بسرعة.

واستجاب لي الله في الحال بعد أن ألهمني ربي عز وجل أن أسلك الطريق الذي يؤدي إلى الدائري الخامس وهناك وجدت نقطة تفتيش عسكرية متحركة عند بداية شارع عمان كانت قد أوقفت هذا الباص للتفتيش عندها أمرني الجندي الذي يجلس بجانبي بالوقوف السريع ونزلوا من سيارتي وألقوا القبض على هذا الباص ومن فيه وعندها حمدت الله على تخليصي من هذه الورطة واستغنيت عن شراء الخبز في ذلك اليوم وذهبت إلى البيت سالماً لكنني لست غانماً بالخبز الذي خرجت من أجله.
