
في يوم من أيام خمسينات القرن الماضي بينما كنت طفلاً صغيراً يلعب على (البيادر) نظرت حولي فوجدت الناس كلهم كانوا قد تجمعوا تحت (لوزة عصفور) وهي شجرة لوز معمرة كان الناس يجلسون تحتها في كل ساعات النهار وكانت تقع بالقرب من خزان المياه الموجود حالياً فذهبت إليهم مسرعاً كي أرى بنفسي ما هو الذي يحدث هناك؟ وعندما وصلتهم وجدتهم كانوا قد التفوا حول (صخرة) كبيرة موضوعة فوق (حصيرة القش) التي كانوا يجلسون فوقها (هكذا كنت قد تخيلتها) وعندما اقتربت أكثر منهم وإذا بالصخرة لونها أصفر.

اندهشت أكثر مما كنت قد رأيت وتساءلت مع نفسي: أتوجد صخرة صفراء؟ وما أن اقتربت أكثر حتى تقدم رجل غريب عن القرية من هذه الصخرة وبيده سكين كبيرة فقطع لي جزءاً ليس صغيراً منها وأعطاني فمددت يدي وأخذت القطعة منه وعلى الفور تحولت الأنظار نحوي وأصبح الجميع في انتظار رد فعلي عندما آكل جزءاً مما أعطاني هذا الرجل وأصبح لزاماً عليّ أن أفهم ما يدور من حولي قبل أن أقوم بأكل ما أعطاني هذا الرجل وإذا بإحدى الجمعيات الخيرية العالمية كانت قد تبرعت لقريتنا بقالب كبير من جبنة (القشقوان) وجاؤوا به كي يوزعوه بأنفسهم على سكان القرية.

وبعد أن تذوقه الناس لأول مرة لم يعجبهم طعمه الغريب عنهم وكل من أكل منه لقمة أخرجها من فهمه وهو يقول إع … إع أي لم يعجبه طعمها ولم يقبل أحد من الناس أن يأخذ حصته من هذه الجبنة فكل أهل القرية في ذلك الوقت يعلمون أن الجبنة فقط تكون بيضاء اللون ولم يكونوا يعلموا بأن الجبنة أنواع وقد تكون الجبنة صفراء وإحتار موزع الجبنة في كيفية توزيعها على الناس بعد أن رفضها الكبار فما كان منه إلا أن بدأ بتوزيعها على الصغار أمثالي لعل وعسى أن يقبلوا بها.

وما أن وضعت قطعة صغيرة منها في فمي وبدأت أتذوق طعمها حتى أحسست بطعم لم أتذوقه في حياتي ففيها طعم الشواء اللذيذ لكنني بعد أن رأيت كل من هم حولي يقولون عنه: إع … إع أخرجت ما بداخل فمي منها بعد أن تذوقته وأعجبني خوفاً من أن أكون مختلفاً عن هؤلاء الناس الرافضين لها وعلى الرغم من ذلك بقي طعمها اللذيذ في فمي لسنوات وسنوات إلى أن نسيت الموضوع تماماً ولم أعد أفكر به حتى ذكرني به والدي.
