
كانت أسماؤنا وأسماء أولادنا وبناتنا أحلى فمنا الكريم ومنا العفيف ومنا النبيل وكانت نساؤنا أكثر أنوثة وجمالاً وكان رجالنا أكثر شهامة ومروءة وكانت ساعة الجوفيال في يد الأب أغلى ما في البيت وأكثرها حداثة وكانت حبات المطر أكثر اكتنازاً بالماء فبعد المطر تجري الوديان والشعاب وتتفجر الينابيع وكانت المزاريب تخزن ماء الشتاء في البراميل الموجودة تحتها وكانت أخبار الساعة السادسة مساءاً أخف دماً من هذه الأيام وكانت الطرقات أقل إزدحاماً من طرقات هذه الأيام وكانت بنات المدارس يخبئن أنوثتهن بين صفحات دفاترهن المدرسية وكانت أجرة الباص بضعة قروش وكانت حلويات الأعراس توزع في كؤوس زجاجية هشة تسمى مطبقنيات.

وكانت غمزة عين سميرة توفيق لا نراها إلا في الصورة الموضوعة داخل العلكة وكانت القضامة المبرشمة توصف علاجاً للمغص عند الأطفال وكانت عمان هي آخر الدنيا بالنسبة لنا وكان الأولاد يُقبلون يد الجار صباح العيد وكانت مضافة أبو محمود أهم برامج الراديو على الإطلاق ولم نكن نعرف أن ثمة فاكهة تتطابق بالإسم مع منظف الأحذية الكيوي ولم نكن نحلم يوماً من الأيام أننا سنحمل تلفوناً في جيوبنا ليرافقنا في الحل والترحال.

وكان الحصول على الحذاء في مقدمة أحلام الطلبة المتفوقين في المدارس وكانت الجهاد أهم الصحف اليومية وأجرأها على الإطلاق ثم تأتي بعدها صحيفة الدفاع وكانت أمريكا وألمانيا والكويت بلاد الأحلام للشباب وكانت صورة المطربة صباح مرسومة على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط وكان جهاز الراديو يغلق محطاته في موعد محدد مثله مثل أي محل تجاري أو مطعم وكانت المحرمة هي الهدية الوحيدة للحب بين العشاق والمحبين وكانت المكتبات تبيع دفاتر خاصة لرسائل الحب أوراقها مزوقة بالورود.

وكانت جوازات السفر تكتب بخط اليد وكان السفر إلى مدينة نابلس مشياً على الأقدام وكانت قمصان النص كم للرجال تعتبرها العائلات المحافظة عيباً يخدش الحياء وكانت البيوت تكاد لا تخلو من الطابون وكانت الأمهات يعجن الطحين في المساء ليخبزنه في الصباح وكانت الأغنام تدق بأجراسها وهي في طريقها للمرعى صباح مساء وكانت الناس تهنئ أو تعزي بعضها بعضاً بكيس من السكر أو كيس من الأرز فيه خط أحمر وزنه مئة كيلو غرام وكانت الأمهات يحممن أولادهن بالطشت وكانت القرشلة يحملها الناس لزيارة المرضى وكان البرد يجعل أصابع التلاميذ ترتجف فلا تستطيع الكتابة.
