
في الساعة الثانية عشرة ليلاً من يوم 17 يناير 1991 بينما كنت أغط في نوم عميق صحوت على جار لنا وهو يدق على بابنا دون أن يستخدم الجرس كما هي العادة ويقول:إنهضوا من نومكم فقد بدأت الحرب جهزوا أنفسكم بسرعة كي نذهب معاً إلى الملجأ!لم أفهم ما قاله جارنا مما جعلني أتسائل مع نفسي في الحال:أي ملجأ هذا؟فأنا لم أسمع بهذه الكلمة من قبل على الرغم أنني لم أفاجأ بالحرب لأنني كنت أسمع الناس من حولي يتوقعونها في أية لحظة فالحرب كانت متوقعة من قبل الجميع.

صحت أمي من نومها وكذلك أبي ومضت تجمع أوراقنا الثبوتية والمهم من الأوراق الرسمية وما تملكه من ذهب وما نملكه من فلوس ووضعت كل ذلك في قطعة قماش طويلة وقامت بطيها إلى أن أخفت كل ما فيها وقامت بربطها على وسطها تحت ملابسها وبقي هذا الثقل مُعلقاً على وسطها ليلاً نهاراً إلى أن وضعت الحرب أوزارها أما أبي فقد سأل جارنا:أين سنذهب يا جار؟أيوجد مكان آخر في هذا العالم أكثر أمناً للإنسان من بيته؟فقال جارنا:إن ما تقوله يا جار يكون صحيحاً في زمن السلم أما في زمن الحرب فيصبح كل شيء مستهدف وعليك أن تبحث عن مكان آمن لا يتوقعه العدو فهناك سرداب في المدرسة الخاصة المجاورة لنا أعتقد أنه أكثر أمناً من بنايتنا لم يقتنع والدي بما قاله جارنا لكنه رضخ تحت إصرار أمي وجارنا معاً.

ذهبتُ بمعيّة أهلي والجيران إلى سرداب المدرسة القريبة من بيتنا فوجدناه مليئاً بألواح الخشب وبدأنا نخرج هذه الألواح الخشبية مُجتمعين كي ننام مكانها في الليالي القادمة والتي لا يعلم عددها غير الله وفي هذه الأثناء رفعتُ لوحاً خشبياً بسرعة دون أن أنظر إليه فدخل في يدي جزء منه فجرحني وأسال الدم من يدي لكن أحداً لم يهتم بي فالجميع مشغول عني وقد تركت هذه الخشبة اللعينة أثراً في يدي حتى يومنا هذا.

لم ننم في تلك الليلة اللعينة بل أصبحنا نتبادل الأمكنة مرة في البيت ومرة في الملجأ وانفرط عقد عائلتنا الصغيرة وأصبحت العمارة كلها عائلة واحدة وفي اليوم التالي أيقنّا أننا لسنا المُستهدفين في الحرب فعدنا إلى بيتنا ثانية وبدأت الأزمة تشتد فلا ماء ولا كهرباء ولا خضار ولا فواكه ولا غاز ولا بنزين ولا هاتف وأصبحت حياتنا ثقيلة وبدأ الوضع يتحول من سيء إلى أسوأ عندها أيقنتُ أننا سنموت لكن ليس الموت هو المُهمّ بل طريقة الموت هي الأهمّ!فهل نموت جوعاً أو عطشاً؟أو نموت بصاروخ عراقيّ يُخطئ هدفه فيصيبنا؟أم نموت بصاروخ من قوات التحالف يُطلقونه على الجيش العراقي فتصيبنا بعض أجزائه؟أم نموت حرقاً أو خنقاً لو اشتعل بترول الكويت؟.

الاخ والصديق العزيز الاستاذ جميل عبود المحترم.
تحيه احترام وتقدير لشخصك الكريم وكل التقدير والاحترام لما تنشره من مواضيع ذات القيمه العالية ومع انني لم التقي بك الا مره واحده في الكويت في شارع عمان وكلمه حق اقولها اني لمست الطيبه فيك وقد لمستهافي والدك من قبل في الستينيات في الكويت وما لمسته من المرحوم الاخ والصديق العزيز المهندس فؤاد في عملنا في جمعية الوفاء للمسنين في سلفيت
كل الشكر والتقدير لك والعائلة الكريمة جميعا
اخوكم حسن العريض سلفيت
إعجابإعجاب
أشكرك أخي حسن وما قلته شهادة نعتز بها جميعاً وهو جزء مما عندكم حفظك الله
إعجابإعجاب
كل التحية والتقدير إلى الأستاذ جميل على الأسلوب الراقي والرائع بسرد أحداث عشناها على أرض الواقع.
أتمنى لكم مزيدا من التقدم والازدهار وإلى الأمام دائمًا.
إعجابإعجاب