
في الماضي الذي هو ليس بالبعيد كانت كل مدينة من مدننا العربية الكبيرة تحرص على أن يكون فيها منارة تنير أكبر مساحة فيها إلى أن جاءت الكهرباء وأنارت جميع شوارعها وحاراتها لا بل أزقتها وأنهت بذلك دور المنارة فيها إلا أن بعض هذه المدن العربية الكبيرة بعد أن فهمت دور المنارة فيها استبدلتها بالجامعة لأن دور الجامعة أكبر من دور المنارة فالمنارة تضيئ لنا الشوارع والحارات بينما الجامعة تنير عقول من حولها قبل أن تنير شوارعهم وتسابقت بعدها المدن الأصغر حجماً في فتح الجامعات بعد أن اكتشفت دورها في تطوير المجتمع ظناً منهم أن الجامعة إذا زرعت في مكان فستغيره للأحسن وأصبحوا فيما بعد إذا رغبوا في تطوير مدينة يفتحون جامعة فيها فهي كفيلة بتغيير عقلية من يجاورها.

لهذا اخترت حيّ الجامعة ليكون ملعباً لرياضتي الوحيدة في هذه الأيام وما أن بدأت المسير في أحد هذه الشوارع الجميلة والنظيفة والمزروعة بالورود والرياحين تمنيت أن يكون في كل حي من أحيائنا جامعة لكنها كانت فرحة عابرة قطعها نباح كلب هز المنطقة قبل أن يهزني وكأنه زئير أسد جائع استهجنت أن يكون في مثل هذا الحيّ الجميل مثل هذا الوحش الكبير فتبادر إلى ذهني أنني ضللت طريقي وخرجت من حي الجامعة دون أن أدري لكن لافتة كبيرة زرقاء أجابتني باسم الحي والشارع عندها بدأت أبحث عن هذا الكلب كي أتقي شره.

نظرت من حولي فلم أجده نظرت إلى الأمام وإلى الخلف فلم أجده وزاد وقوي نباحه فنظرت للأعلى وإذا به يخرج لي من غرفته الموجودة على سطح أحد البيوت كالسهم ويضع يديه على الجدار ويبدأ بالنباح والعواء وعندما رأيته بدأت أتخيل جميع السيناريوهات الممكنة فقد يكون مربوطاً على هذا السطح وقد يكون حراً طليقاً وفي الحالتين قد يقفز من على سطح بيته ليحط فوق ظهري كمن يحطه السيل من عل ثم يتلوها زيارة لي قد تطول إلى إحدى المستشفيات وتتلقف الصحف والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت هذا الخبر وتزين صفحاتها برجل يعضه كلب في حيّ الجامعة!فماذا أنا فاعل بعدها؟.

ودخلت مع نفسي في حوار وبعد هذا الحوار قلت لنفسي: عندما كان البعض يسكن في البادية أو في الريف لم يكن لديهم شوارع منارة ليلاً ولم يكن لديهم جرساً كهربائياً يقرعه كل من يقصد بيتهم ولم تكن بيوتهم مُسوّرة فكان لزاماً عليهم أن يقتنوا كلباً أو أكثر في منازلهم كي ينبههم إذا قدم أحد إلى بيوتهم سواء كان قدومه قدوم شر أو قدوم خير.
