
خبران عاجلان من أخبار أمتنا العربية تناقلتهما وكالات الأنباء العالمية مؤخراً في نفس اليوم وما أن سمعتهما حتى ازددت إيماناً بإمكانية تحقيق الوحدة العربية دون خارطة طريق من أحد، ولم أعد أستغرب إذا صحوت من نومي يوماً من الأيام وإذا بنا أمة عربية واحدة لكن بدون رسالة خالدة الخبر، أما الخبر الأول فأوردته إذاعة الـ B.B.C من العاصمة السورية دمشق يفيد بصدور قانون منع التدخين في الأماكن العامة في سوريا ويفرض غرامة على المدخن قد تصل إلى ٨٠٠ دولار في بعض الأحيان.

أما الخبر الثاني فأوردته إذاعة مونت كارلو الدولية يفيد بمنع التدخين في الأماكن العامة في الأردن لكنه يفرض غرامة أشد على تدخين السيجارة قد تصل إلى 500 دينار أردني لا غير، حتى الآن الخبران عاديان وجميلان أحيّي استصدارهما ولكن الغريب في مثل هذه القوانين أنها ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة فقد سبقتها قوانين كثيرة لم تفلح حتى في خفض أعداد المدخنين لا بل على العكس تماماً فقد ازدادت أعدادهم أكثر من ذي قبل.

والغريب في مثل هذين القانونين أنها تغلظ الغرامة التي سيدفعها المدخن، وهذه الغرامة تضاعف إذا لم تدفع خلال شهر، وعند عدم الدفع يرسل صاحبها إلى المحكمة، والأغرب في هذين القانونين أن قيمة المخالفة متغيرة وليست ثابتة لكل زمان ومكان، فمخالفة تدخين السيجارة نفسها تختلف من فندق إلى آخر حسب تصنيفه وما يحمله من نجوم، ولا أدري كيف سيتم ضبط المدخن؟ فهل يكفي شاهد واحد لإثبات الواقعة؟ وهل يحتاج تسجيل الواقعة إلى شهود فقط أم شهود عيان؟ وما عددهم في هذه الحالة؟ وهل يضبط الشخص بالجرم المشهود؟

وإذا دخل الشرطي إلى مكان، ورأى سيجارة مشتعلة رماها صاحبها عند رؤيته، فكيف سيعلم هذا الشرطي من هو صاحبها إذا أنكر الجميع؟ وهل يكفي شم رائحة الدخان في مكان لمخالفته؟وإذا خالف شخص عدة مرات فستنشغل الشرطة والمؤسسة التي يعمل بها فالشرطة ستسجنه والدولة ستطعمه ومؤسسته ستقيله من عمله، عندها هل يستطيع المواطن أن يدفع مثل هذه المخالفة؟ وإذا لم يدفع مثل هذا المبلغ فسيحول إلى النائب العام عندها قد يحجز النائب العام على ممتلكاته؟ فما ذنب أهله أو أولاده؟ وما هي حالته النفسية عند الدخول والخروج من السجن؟

هل قدّر صانعوا هذين القرارين عدد الموظفين الذين سيعملون معهم في تطبيق وتنفيذ هذين القانونين؟ وهل محاكمنا أنجزت كل القضايا التي بحوزتها وجاهزة لاستقبال هؤلاء المخالفين؟ وهل سجوننا ستتسع لمساجين السيجارة أم أنهم سيفتحون لهم سجوناً جديدة؟ وإذا جاء الشرطي أو منفذ القرار وعقد صفقة مع هذا المدخن وقال له: ادفع لي 2% من المخالفة كي أسكت عنها فهل ستتم هذه الصفقة؟ وإذا دخل الزائر ديارنا فهل سيدفع مثل هذا المبلغ؟ وإذا دفع هل سيعود إليها ثانية؟

ثبت لي قطعاً أننا نحن الذين نخلق المشكلة لأنفسنا كي ننشغل في حلها، فالتبغ موجود منذ القدم ولم يكن مشكلة في يوم من الأيام السابقة، فمن يريد أن يدخن يزرع تبغه في أرضه ويدخن دون تكلفة مادية، وبقينا على هذا الحال إلى أن جاءت حكوماتنا الرشيدة ومنعت زراعة التبغ وأنشأت الشركات المحلية لاستثماره وبدأت هذه الشركات ترفع من سعره إلى أن أصبح عبئاً على المدخن ولم تكتف بذلك بل استوردته من الخارج وفتحت حدودها له وبذلك استطاع أن يتغلب على الإنتاج المحلي فبدأت شركاتنا المحلية تخسر فجاؤوا بالشركات الأجنبية لتفتح فروعاً لها في بلادنا وتأخذ ما في جيوب المواطنين ثم أخذت هذه الحكومات تتباكى على هذا المواطن المسكين دون استشارته أو الأخذ برأيه، فإذا كنتم يا حكوماتنا تريدون أن تمنعوا التدخين حقاً فقولوا لي بالله عليكم من الذي أعطى شركات الدخان تراخيص إذن؟ ومن الذي أعطى التراخيص لهذا الكم الهائل من الكافشوبات التي أصبح عددها أكثر من عدد المطاعم.
