
كانت قريتنا في الماضي غير البعيد حصناً منيعاً لمن يدخلها من الثوار والمجاهدين خاصة في العهد البريطاني لأن من يكون بداخلها يرى القادم إليه قبل أن يراه هذا القادم لأنها محاطة بالجبال من جميع الجهات والسبب الأهم من ذلك كله أن هذه القرية كانت معزولة لا تصلها السيارة وبالتالي لا تستطيع سيارات العدو من الوصول إليها فكان على المحتلين في جميع العصور أن يأتوها إن أرادوا مشياً على الأقدام والمشي على الأقدام في حد ذاته كان يعتبر مغامرة كبرى للمحتلين فكانوا بدلاً من ذلك يبعثون عيونهم من العملاء لمراقبة الوضع في قريتنا عن كثب وإبلاغهم بما كان يحدث أولاً بأول.

وفي أحد الأيام حضر أحد القادة المهمين في الثورة الفلسطينية آنذاك ليقيم في قريتنا بضعة أيام دون أن يكون ملاحقاً ومطارداً من المحتلين الإنجليز إلا أن أحد العملاء كان قد أخبر العدو بوجوده في القرية فأرسلوا على الفور كتيبة مشاة وأنزلوها في أرض اللبن الشرقية واتجهت هذه الكتيبة غرباً نحو القرية دون أن تمر بالطرق المألوفة عند الناس خوفاً من أن ينكشف أمرها بل وصلوها عن طريق الجبال من جهة جبل راس مقحار.

وكان المرحوم (عمر مصطفى الزغلول) أحد أبناء هذه القرية يعمل بأرضه التي تسمى (الزردات) في جبل راس مقحار في تلك الأثناء وأراد أن يرتاح قليلا فجلس في مكان نظيف كان قد إختاره وفتح علبة (التتن) وأخرج منها دفتر السيجارة (الأتومان) ونزع منه ورقة وملأها بالتتن وقام بالضغط عليها بين أصابعه لموازنتها ثم قام بوضع شيء من ريقه على أحد أطرافها ثم جعل هذا الطرف كالمنشار بواسطة أسنانه وقام بلصقه بالطرف الآخر فأصبحت بذلك سيجارة ثم قام بضم كل طرف منها على نفسه ليمنع سقوط التتن من أطرافها واختار طرفاً منها وقام بوضعها في فمه.





















وعندما قرأت نمرته وجدتها 16 فسألته: هل هذا القميص نمرته 15؟ فأجاب: إن شاء الله! فقلت له: هذه ليست بحاجة إلى إن شاء الله، هذه بحاجة إلى قراءة نمرة القميص ليكون جوابك لي نعم أم لا. فاحتد
هل تعلم يا أخي أن نمرة القميص الذي أعطيتني إياه بعد قولك إن شاء الله هي 16 وليست 15؟ أتصدق ذلك؟ وإذا صدقت فماذا تقول؟ قال: كل ما أستطيع قوله إذا صح ذلك (جلّ من لا يسهو)، فقلت له: نسيت أن تتبعها بقولك (إن شاء الله)! لو سمحت يا سيدي أعطني قميصاً نمرته 15 فنظر هذه المرة إلى مجموعة القمصان واختار لي واحداً منها دون أن يقول (إن شاء الله) فأخذته منه وغادرت محله وأنا أقول في نفسي إن شاء الله ربنا يهدي الجميع.