مسجد
الاستراحة الأولى

وبعد أن سار الباص مسافة لا بأس بها في الأراضي اللبنانية وقف فجأة أمام استراحة كبيرة في سهل البقاع، مكونة من ثلاثة طوابق تقع على الشارع الرئيسي مباشرة، وما أن نزلنا من الباص حتى استقبلنا رجل كبير في السن له لحية دنيوية إن شئت ودينية إذا أردت، وشكله يوحي بأنه كان مغترباً في بلاد الله الواسعة قبل أن يفتتح محله هذا، ومن ثم عاد إلى بلده لبنان بعد أن ملّ الغربة وقسوتها فأقام هذا المشروع ليعتاش منه.

تقدم هذا الرجل وصافح الدليل السياحي وكأنه ينتظره وناداه باسمه وسأله على الفور عن أحوال والده الذي لم يرَه منذ مدة، فقال له الدليل: لقد تقاعد والدي من هذه المهنة الشاقة وسلمني الراية، فأحضرت معي زوجتي وولدي كي يتمتعوا برؤية الجمال في لبنان، ومعهم شخص ثالث أقوم بتدريبه على الدلالة منذ الآن. فما كان من صاحب الاستراحة إلا أن رحّب بالدليل وبمن معه من ضيوف وقام بتجهيز طاولة خاصة لهم، وأحضر كل ما لذّ وطاب من الأكل اللبناني مجاناً، ثم التفت إلى باقي المجموعة ليقدم خدماته لهم.

أما أنا فقمت بجولة سريعة في هذه الاستراحة، فوجدت فيها مسجداً للرجال وآخر للنساء، وآيات من القرآن الكريم تغطي ما ظهر من جدرانها، وكان نصف هذه الاستراحة مطعماً والنصف الآخر سوبر ماركت، فأكلت المناقيش اللبنانية الطازجة وشربت كوباً من الشاي في الجزء الخاص بالمطعم، و بعد جولة سريعة في أنحاء المكان تحركت نحو الصندوق لأدفع ثمن ما أكلت، وأيضاً لأطلب شاحناً لجوالي.

وجدت صاحب المحل يعمل صرافاً بعد أن خيرني بأي العملات أريد أن أدفع، فاغتنمت هذه الفرصة كي أدير حواراً معه، فهو بالنسبة لي أول لبناني أراه على أرض لبنان، وطلبت منه شاحناً للموبايل فرحب الرجل بطلبي وأخذ الموبايل مني ووضعه بالشاحن وسألني: كيف فرغت بطاريته بهذه السرعة؟ قلت له: كنت أسمع به الإذاعات العربية المختلفة في الطريق، قال: إذن موبايلك صناعة صينية، فسألته: كيف عرفت ذلك؟ فقال: تلفون نوكيا الأصلي (وكان موبايلي نوكيا) ليس به إذاعات، فقلت له: ومنك نستفيد.

