
عندما لم يجد صاحبنا (للأسف الشديد) من يستمع له من الأحياء فجأة تذكر نفسه طفلاً صغيراً عندما كانوا يُكلفونه بقراءة القرآن على قبور الموتى في أيام الأعياد والمواسم في مسقط رأسه وتذكر في الحال أيضاً كيف كان يتنقل من قبر إلى آخر في المقبرة وبيده اليمنى القرآن الكريم وبيده اليسرى (امْخَمّرة) وجيوبه منتفخة بالملبس والقضامة وبيض الحمام الذي كان يوزع من الأحياء عن أرواح أمواتهم؟ فقرر أن يعيد نفس التجربة وهو كبير في السن هذه المرة ويقوم بقراءة ما كتب على الأموات ظناً منه أن من يسمع قراءة القرآن وهو ميت سيسمع غيرها من القراءات الأخرى.

لكنه عندما قارن صاحبنا بين مقابر الأمس ومقابر اليوم وجد الفرق شاسعاً بينهما فمقابر الأمس كانت مفتوحة للجميع يدخلها كل من يريد وقتما يشاء لكن مقابر اليوم مُسيجة يحرسها حارس ولا يدخلها الميت إلا بتصريح فكيف له أن يدخلها دون أن يكون ميتاً أو مصاحباً لميّت؟ إذن فهناك مشكلة عليه حلها قبل أن يبدأ تجربته تلك وبينما كان يحاول حل هذه المشكلة وإذ بمشكلة أخرى أصعب منها تخرج له على السطح لكنها لن تظهر له الآن بل بعد دخوله للمقبرة ولقاء الأموات فيها.

أما هذه المشكلة الجديدة فهي أن الأموات كانوا يسمعون القرآن والقرآن لم يتغير ولن يتغير لكن كلام الناس مع بعضهم البعض كان قد تغير فلغة الأمس ليست كلغة هذه الأيام وأصبح خائفاً على نفسه من أن لا يفهم عليه الأموات ما سيقرأه عليهم فالكثير من هذه الكلمات التي كانت سائدة في زمانهم بادت في هذه الأيام وظهرت مكانها كلمات وجمل ومصطلحات جديدة قد لا يفهمها الأموات فكيف له أن يفسرها لهم؟.
