
لست من المدّاحين ولا من المُطبلين ولا من المُزمّرين للأشخاص مهما علت رتبهم أو مهما كانت مناصبهم، هذا أولاً وأما ثانياً عندما أكتب عن هذا الرجل ليس لي مصلحة شخصية عنده أو عند أحد من أهله أو ذويه، وأما ثالثاً فأنا لا أدّعي أنني أعرف عن هذا الرجل كل شيء حتى أكتب عنه كل ما يستحقه، لكنني سأكتب حكايتي الشخصية معه وأقول فيه كلمة حق يجب عليّ أن أقولها في رجل وُجد في زمن قلّ فيه الرجال، وفي رجل تحمّل إرث هزيمة أمة بكاملها في سنة 1967 واستطاع بصبره وحنكته أن يحافظ على الأمن والأمان في منطقة سلفيت كلها وليس في بلده فقط، عندما قام بتشكيل لجان الإصلاح للبت في القضايا المستعجلة التي كانت قد نشأت بعد هذا الاحتلال البغيض.

والأهم من ذلك كله أن كل الرجال في هذا العالم يرفعهم المنصب الذي يشغلونه، وكل الرجال في هذا العالم تشهرهم وظائفهم إلا الحاج حسن الزير (أبو فاروق) فكان هو الذي يرفع المهنة التي كان يعمل بها بدلاً من أن ترفعه، وخير مثال على ذلك عندما عمل وأبدع معلماً في مدرسة سلفيت الثانوية، وعندما احتاجوه ليكون مديراً لمدرسة بديا الثانوية أدارها بقوة واقتدار، وعندما تم طلبه ليرأس بلدية سلفيت استطاع أن يجعل من بلدة سلفيت محافظة بعد أن أسّس فيها بنية تحتية تليق بها كمحافظة. وعندما ناداه الواجب لمساعدة الفقراء والمساكين في محافظة سلفيت ترأّس لجنة الزكاة المحلية فيها وأعطى كل ذي حق حقه.

أما عن حكايتي مع هذا الرجل الفاضل فقد ذهبت إليه في مكتبه وكان رئيساً لبلدية سلفيت بعد حرب سنة 1967 وكان عمري آنذاك أقل من 17 سنة بمفردي أشكو له معاناتنا اليومية في قريتنا خربة قيس من عدم تزفيت الطريق الوحيد الذي يصل قريتنا بالعالم، فلم يطلب مني عريضة كغيره من الرؤساء، ولم يطلب مني وفداً من أهل القرية، ولم يقل لي أنا اليوم مشغول تعال لي في الغد.

بل تحرك على الفور وأمر بتجهيز سيارة البلدية واصطحبني معه ليرى بنفسه هذا الطريق على أرض الواقع، وقام بقياس المسافة المراد تعبيدها على عداد السيارة فوجدها (3.5)كم ووعد بحل هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن، لكنني كنت قد غادرت القرية بعد هذه الحادثة إلى خارج الوطن لاستكمال دراستي، وبعد أن تخرجت من الجامعة عملت في دولة الكويت وهناك تمكن أهل القرية من جمع المبلغ المطلوب لهذا المشروع وعدنا إليه ثانية فقدم لنا كل ما احتاجه هذا المشروع من أمور فنية.

كذلك لا ولن أنسَ موقف هذا الرجل العظيم عندما قتل اليهود والدي بعد أن نجح باجتياز نهر الأردن من إحدى المخاضات قادماً من دولة الكويت بعد حرب 67، وشاع الخبر وانتشر واختلف الناس فيما بينهم بين مؤكد ومشكك في صحته، فكان عليّ الذهاب إلى عمان لتأكيد هذا الخبر أو نفيه، ولم أكن أحمل جواز سفر في تلك الأيام فأنا لم أكن بالغاً للسن القانوني بعد، فلم أجد غير هذا الرجل كي يحل مشكلتي فذهبت إليه وقمت بعرض مشكلتي فوجدته يعلمها وعلى الفور أمر بتجهيز هوية شخصية لي صادرة من بلدية سلفيت، وسافرت بها إلى عمان فكانت هذه الهوية هي أول وثيقة رسمية فتحتُ بها طريق مستقبلي.
