
المشكلة الأزلية بين الحاكم والمحكوم قديمة جداً فالحاكم لا يريد غير السمع والطاعة من رعيتة وله هدف واحد هو أن يضع الجميع في جعبته فإذا تمرد عليه أحد المحكومين المهمين أو حاول التمرد أو لم ينضم إلى جوقته عندها سيكون هذا الشخص الشغل الشاغل لهذا الحاكم فإما أن يسجنه وهو قادر على ذلك فيزيد بذلك من تعلق الناس به أكثر أو أن يتسامح معه في الظاهر ويعمل على تشويه صورته في أعين الناس فيبعدهم عنه وتصفو له الحياة.

يُروى أن قاضياً من قضاة الحاكم في أحد الأقاليم كان قد تمرد على الوالي فما كان من هذا الوالي إلا أن بعث بأعوانه إلى هذا الإقليم ليقتفوا أثر هذا القاضي ويُعلموا الحاكم عنه أولاً بأول وبكل صغيرة وكبيرة عنه ماذا يأكل؟ وماذا يشرب؟ وأين يذهب؟ وماذا يقول؟ وأين يسافر؟ وكيف يعامل من حوله من أهله وعشيرته؟ وكيف يحكم بين المتقاضين؟ وما أن يعلم الحاكم بكل هذه المعلومات حتى يقوم بدراستها مع أعوانه ويخرجوا بقرار يجعل الناس يضعون أصابعهم في آذانهم كلما صدر من هذا القاضي كلاماً ينتقد به الوالي.

وفي أحد الأيام أدخل القاضي إلى بيته جرتين أثارتا استغراب المُخبرين لأنهم تعودوا أن يروه خاوي الوفاض كلما تخطى عتبة منزله فلم يتأخروا عن نقل هذا الخبر إلى الوالي معتقدين أن في الأمر سرّا سينالون به رضا الوالي وبعد أن أخبروا الوالي بذلك سألهم على الفور عمّا بهما فلم يعرفا الجواب عندها أعطاهم الوالي مهلة قصيرة ليحيطوه علما يقيناً عن ما بداخل هاتين الجرتين وفكر المخبرون في الطريقة التي توصلهم إلى المُبتغى فلم يجدوا إلا أطفال القاضي ليحتالوا عليهم فتقدّموا إليهم وهم منشغلون باللعب في الزقاق القريب من بيت القاضي بعد أن علموا أن القاضي في صلاة المغرب ليطلبوا منهم ماءاً بارداً من جرتيّ القاضي فاستجابت برائة الأطفال لمطلبهم وغرفوا منهما وقدّموا للطالبين ما أرادا.
