
المسلسل التلفزيوني الكويتي (كريموه) الذي كان قد تم إخراجه باللغتين العربية والفارسية من تأليف الكاتب ضيف الله زيد وإخراج المخرج الأردني محمود دوايمة وإنتاج الممثل الكوميدي الكويتي داود حسين الذي كان قد عُرض على شاشة كل من قناة الرأي وقناة فنون الفضائتين في دولة الكويت أيام شهر رمضان المبارك في العام 1431 هـ أيقظ في نفسي مخاوف وهواجس من الماضي الذي هو ليس ببعيد جعلنني هذه المخاوف والهواجس أتسائل بيني وبين نفسي قبل أن أسأل غيري:هل سيبقى الخليج عربياً؟.

أما لماذا بدأت أسأل نفسي قبل غيري؟فأنا قبل أن أغادر بلدي فلسطين عام 1967 متجهاً إلى مدينة الزرقاء في الأردن ثم إلى مدينة حلب في سوريا عام 1969 لم أكن أعلم عن نفسي غير أنني مسلم والمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات كأسنان المشط ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى هذا كل ما كنت أعرفه عن الإسلام والمسلمين أو قل إذا أردت أن هذا ما كنت قد تعلمته وفي ذلك الوقت صدقت كل ما كنت قد سمعته وتعلمته لكنني عندما وصلت مدينة حلب في سوريا سكنت في حي الأنصاري (المشهد) وعندما سألت عن هذا (المشهد) قالوا لي إن طفلاً من آل البيت الكرام لم يكتمل نموه يرقد في هذا المكان فسمي بالمشهد! فكانت هذه الإجابة مقتضبة لم أفهم منها شيئاً في حينه لكنها على الرغم من ذلك كانت قد أثارت في نفسي الفضول والشكوك والتساؤل.

وبعد فترة من الزمن غيرت سكني وسكنت هذه المرة مع طالب عراقي الجنسية من مدينة كربلاء التي لم أكن أعلم عنها شيئاً وبينما كنا في طريقنا إلى الجامعة مشياً على الأقدام مروراً بحي الجميلية بمدينة حلب وإذا بصديقي يقف أمام مكتبة من مكتباتها ويطلب مني الدخول إليها كي أشتري له دفتراً منها فما كان مني إلا أن سألته بكل سذاجة وبراءة قائلاً له:ولماذا لا تدخلها أنت وتشتري منها ما تريد؟فأشار بيده إلى اللوحة الموجودة في أعلى المكتبة التي تُعرّفها ولم أفهم من إشارته شيئاً فطالبته بمزيد من التوضيح فقال:إنها مكتبة (معاوية) وممنوع علينا دخولها.

وسألته فوراً:ومن أنتم؟ومن هو هذا الذي يمنعكم من دخولها؟قال:أنا (شيعي) المذهب ولا أحب معاوية ولا حتى إبنه يزيداً قلت له:لكن معاوية من المبشرين في الجنة ولا أعلم بأن له أعداء غير الكفار قال:هذا رأي من علموك وسكت وفي مساء ذلك اليوم التقيت بصديق لي من مدينة الفلوجة بالعراق فسألني مع من أسكن؟فقلت له:أسكن مع صديق لي من مدينة كربلاء فبدأ يعاتبني على فعلتي تلك ولكن بتهكم وتقريع شديدين.

ومما قاله لي:كيف تسكن مع شخص خارج عن ملتنا ويتلقى تعليماته الدينية والسياسية من مدينة قم في ايران؟فاحترت أكثر مما كنت قد سمعت عن المشهد لكن صديقي (الفلوجي) لم يعطني أكثر من ذلك وذهبت الأيام وأنستني الموضوع بكامله وما هي إلا سنوات معدودة أنهيت بعدها دراستي وذهبت لأعمل في دولة الكويت وهناك وجدت جاري في السكن من المذهب الشيعي وكثيراً من زملائي المعلمين في المدرسة التي كنت قد عملت بها من المذهب الشيعي أيضاً.

فبدأت أتذكر أطراف الحديث الذي كان قد جرى معي في مدينة حلب لعلي أجد له تفسيراً بنفسي دون مساعدة من أحد أو على الأقل أفهم شيئاً أكثر مما كنت قد فهمته وفي أحد الأيام بينما كنت أجلس في غرفة ناظر مدرسة عبدالله السالم الذي هو من أصل إيراني لكنه (سنيّ) المذهب وإذا بمدرس كويتي من أصل إيراني يدخل علينا الغرفة لكنه (شيعيّ) المذهب وبعد أن ألقى علينا السلام جلس معنا وأخذنا نتبادل أطراف الأحاديث العامة.

وبينما نحن كذلك دق جرس هاتف الناظر وكان على الطرف الآخر منه أهل بيته وتكلم معهم الناظر باللغة العربية مما أثار حفيظة المدرس الكويتي الشيعي لكنه لم يعترض على مديره في حينه بل انتظر خروجه من غرفته لأمر لا أعرفه وبدأ هذا المدرس في انتقاد مديره على الفور (استغربت من نقد هذا الزميل لمديره فالناظر لم يقم بأي عمل أو قول يستحق عليه النقد) فاتهمه بالتخاذل والنفاق وهز الذنب للعرب وعندما سألته عن السبب؟قال:الناظر من أصل فارسيّ ومُحدثه فارسيّ أيضاً فكان يجب عليه أن يرد على مُكلمه بالفارسية وليس بالعربية اندهشتُ في حينه مما سمعت وأجبت نفسي بنفسي عن سؤال قديم طالما راودني أما هذا السؤال فكان:لماذا سميت الكويت (بلاد العرب) رغم أنها عربية؟.

روى لي صديق أثق به حكاية طريفة وظريفة عن الكويت وأهلها كانت قد حدثت في الماضي البعيد لا بد من ذكرها الآن لربط الأشياء مع بعضها ففي أحد الأيام أراد شاه ايران السابق أن يزور دولة الكويت في عهد الأمير الراحل عبدالله السالم فقام تجار الكويت من أصول إيرانية وعرضوا على الأمير الراحل أن يفرشوا للشاه السجاد العجمي من أرض المطار إلى أرض القصر الأميري كي يسير عليه بسيارته فأجابهم رحمه الله:لكم ذلك لكنكم ستفرشونه لكل زعيم يأتي من بعده لزيارة الكويت فراجعوا أنفسهم وتراجعوا عن عرضهم هذا.

وما هي إلا أيام قليلة حتى دعاني جار لي (شيعي) المذهب على الفطور في شهر رمضان المبارك وبدأت أنتظر أذان المغرب على أحر من الجمر لأنني من المدخنين وأذن المؤذن أذان (السنة) في الكويت لكنه لم يعترف به ووبقينا ننتظر أذان (الشيعة) بعده بربع ساعة وأذن المؤذن آذان الشيعة أيضاً لكنه لم يدعوني إلى الفطور أيضاً وما كان منه إلا أن ذهب وأحضر راديو من داخل منزله وبدأ يبحث عن محطة إذاعية إيرانية ليسمع منها آذان المغرب في مدينة (قم) وحينما أن وجدها دعاني على الفطور قائلاً لي: قل بسم الله فقلت له:أتريدها بالعربية أم بالايرانية؟فابتسم ولم يجيبني على سؤالي.

وبقيت على هذا الحال إلى أن جاء هذا المسلسل العتيد فأجابني الممثل داود حسين على أسئلتي الكثيرة التي كانت قد تولدت عندي بعد تسلسل هذه الأحداث مجتمعة فكان داود حسين هو الشخص الأجرأ في الكويت لأن قصة هذا المسلسل تدور حول إمرأة إيرانية توفي عنها زوجها الكويتي ولم يقل لنا هذا المسلسل:هل هي التي تزوجته لتصل إلى ما تريد؟أم هو الذي تزوجها ليصل بها إلى ما يريد؟عموماً في الحالتين يا ليتهم دافعوا في هذا المسلسل عن كل زوجات الكويتيين من الجنسيات العربية المختلفة من زواج المتعة وزواج المسيار على الرغم أن أزواجهم أحياء يرزقون ونحن نقبل بهذا المسلسل إذا استمر بنهجه ودافع عن حقوق كل زوجات الكويتيين من جنسيات عربية مختلفة أما إذا وقف عند الزوجة الإيرانية فهو مشبوه.
