
بعد وصولي مباشرة إلى مدينة عمان قادماً من دولة الكويت بعد حرب الخليج سنة 1991 بدأت على الفور أبحث عن سكن (أي سكن) لي ولأسرتي في مدينة عمان الكبرى فلم أجد وتنازلت وبدأت أبحث عن سكن في ضواحيها فلم أجد وتنازلت أكثر وبدأن أبحث عن سكن في مدينة الرصيفة فلم أجد وتنازلت أكثر وأكثر وبدأت أبحث عن سكن في مدينة الزرقاء فلم أجد أيضاً عندها ضاقت بي الأرض بما رحبت وأصبحت أعيش في حيرة من أمري سوف لن تنتهي إلا إذا وجدت السكن.

وفي أحد هذه الأيام التي كنت أبحث فيها عن سكن والتي لا يمكن أن أنساها ولا يمكن أن تنمحي من ذاكرتي قررت أن أشرب شيئاً بارداً لعله يخفف عني التعب والإرهاق الناتج من البحث عن سكن فذهبت إلى أحد الدكاكين لا على التعيين التي مررت بها وهناك إشتريت منه شيئاً بارداً وجلست معه وسألته عن سكن فقال:يا ريت اطلب عروساً مني أسهل من أن تطلب سكناً في هذه الأيام.

وفي هذه الأثناء مر رجل من باب الدكان الذي كنت أجلس مع صاحبه في مدخله فنادى عليه صاحب الدكان فحضر على الفور وإذا به شخص من معارفي فهو من أبناء بلدتنا المقيمين بمدينة الزرقاء لكنني لم ألتق به من سنين طويلة وبعد أن تعارفنا جلس معي وشرّبته مثل ما كنت أشرب وتحدثنا في الماضي والحاضر والمستقبل ونسيت أن أطلب منه مساعدتي في الحصول على سكن.

لكن صاحب الدكان لم ينس فقال له:إن الأخ الذي تراه بجانبك يبحث عن سكن فنظر بلدياتي إليّ وقال:أمعك فلوس؟فقلت له:نعم قال:أريد منك 500ديناراً فوافقت في الحال وقال:موعدنا الساعة الرابعة من هذا اليوم وفي الحال ذهب بلدياتي لشاب مصري الجنسية يعرفه كان ينوي السفر إلى مصر آخر الشهر نهائياً وأعطاه شيئاً مما أخذه مني وأقنعه بترك الشقة الآن وليس في آخر الشهر واقتنع هذا الرجل وأخلى له الشقة.

عند الساعة الرابعة ذهبت معه لرؤية الشقة فأدخلني في عمارة لها أول وليس لها آخر وتحوي ما هبّ ودبّ من البشر أما الشقة فكانت كزريبة أغنام لم أصدق أنه كان يسكنها بشر لكنها تبقى شقة مبنية ليست كسكن القاضي الشرعي الذي طلب مني أجرة سنتين مقدماً ليبني لي سكناً في خرابة يمتلكها ومع هذا فهي تحتاج إلى صيانة شاملة وعلى الرغم من ذلك وافقت في الحال ودفعت له المبلغ الذي يريد ولم يكتف بلدياتي بذلك بل عرض عليّ تنظيفها وصيانتها وصبغها وأنا في العمل مقابل 200 ديناراً أخرى فوافقت بدون تردد لا بل شكرته على ذلك.

وحضرت في اليوم التالي بعد دوامي لأرى العمل وأتابعه بنفسي وإذا به قد أنهى عمله فيها ويطلب مني المبلغ الذي اتفقنا عليه وعندما فتحت الشقة وإذا به قد اشترى سطلاً من الدهان وقام بسكبه على جدرانها بنفسه وقال لي:ها هي شقتك قد أصبحت جاهزة للسكن وأخذ نصيبه وانصرف وأصبح كلما التقينا في مكان عام يستعرض بطولاته أمام الموجودين بأنه استطاع تأمين سكن لي بعد أن عجز الآخرون عن ذلك وأنا ساكت لا أتكلم والناس الذين من حولي لا يعلمون هذه التفاصيل أما أنا فبغض النظر عن ما دفعت إلا أنه أصبح عندي سكناً وعملاً.

في اليوم التالي أحضرت كهربائياً لتبديل اللمبات إلى نيونات واحتاج عمله إلى كرسي ليقف عليه فطلبت كرسياً من الجار الأقرب لي لكنه رفض فخرج الكهربائي وأحضر قطعة خشبية من الشارع وقف عليها وركب النيونات لكنه أثناء العمل عطش فطلب مني ماءاً بارداً فطلبت له الماء من الجار الآخر فلم يعطيني الماء فقلت للكهربائي:إما أن تبقى عطشاناً أو أن تشرب من الحنفية وبعد أن أنهى عمله قال:الله يساعدك على هذه الجيرة.

وفي المساء ذهبت لبيت ابن عمي في حي معصوم وإذا بزوجتي تتصل من مدينة سلفيت على تلفون جيران إبن عمي الذي كنت قد أعطيتها رقمه للاتصال وقت الحاجة وعندما ذهبت كي أردّ على هذه المكالمة وإذا بصاحب التلفون يقف لي بالباب ويقول:هذه آخر مرة تستخدم فيه تلفوننا فقلت له:حاضر ولك مني أن لا أستخدم لا تلفونك ولا تلفون غيرك وكانت شركة الاتصالات الأردنية قد استحدثت خدمة التركيب السريع مقابل أن تدفع أربعة أضعاف المبلغ العادي الذي يريد أن ينتظر الدور أي عليّ أن أدفع 400 ديناراً ودفعتها وركبت في الشقة تلفون.

وبعد أن سكنا في الشقة وبعد أن دفعت 400 دينار أي أربعة أضعاف الرسوم العادية وركبت فيها تلفون لم نهدأ يوماً من الأيام من طلبات الجيران فهذا يريد سكراً ليشرب شايه وذاك يريد بصلة ليكمل بها طبخته والآخر يريد أن يتصل بالخارج وسيدفع لي عندما تأتي الفاتورة التي كانت تأت وقد لا تأت ومنهم من أعطى رقمي لأصدقائه كي أقوم بتبليغهم أقوالا يتقولونها بين بعضهم البعض وجعلت من أولادي مراسلين لهم لكنني أفهمت أولادي هذا الموقف الذي وُضعنا به ولخصته لهم بقولي:عليكم أن لا تحتاجوا الناس ولكن عليكم مساعدة من يحتاجكم.
