ما فعله هذا الحمصي بنا وبأولادنا؟


ani - Cópia
وليام إبراهيم عبود حنا سوري الأصل 1911 – 2006

كثرت مطالبنا وتوسعت وتشعبت كثيراً فأشغلتنا الدنيا وانشغلنا بها عن أولادنا وبدأنا نجمع الفلوس لتلبية متطلباتهم التي إصبحت كثيرة في هذه الأيام وتركناهم يطالعون الشاشات الصغيرة والكبيرة التي أصبحت موجودة في بيوتنا منفردين بلا حسيب أو رقيب!فتأثروا بما يعرض على هذه الشاشات وأثرت بهم وغيرت من تفكيرهم ومن قيمهم المتوارثة جيلاً بعد جيل خاصة المسلسل المشهور (Tom and Jerry) الذي كان قد اخترعه لنا السيد (وليام إبراهيم عبود حنا) وهو سوري الأصل عاش حياته في أمريكا وهو من مواليد مدينة حمص وعاش في الفترة (1911 – 2006) وفي هذا المسلسل جعل من الفار (جيري) بطلاً مغواراً وعرضه لأطفالنا على الشاشة الصغيرة صغيراً ذكياً مسكيناً يتيماً مسالماً يُصارعه قِط غبيّ ضخم الجثة عُدوانيّ النزعة شرس بطبعه سماه (توم)!.

imagesCAERTV18
الفار العدو اللدود

مما جعل أطفالنا يتعاطفون مع الفار جيري ويشجعونه لا بل يفرحون عندما ينتصر على القط توم!ومنهم من أصبح يدعو له بالنصر بعد كل صلاة!ومنهم من يستطيع أن يميز توم من جيري قبل أن يميز خاله من عمه!والرسوم المتحركة ليست حلقة واحدة وتنتهي المُشكلة لكنها حلقات مُتسلسلة لانهائية يحقنون عقول أطفالنا بما يُريدون توصيله لهم من أفكار وتكرار مثل هذه الأفكار يُولد مشاعر وأحاسيس تتراكم في نفوس أطفالنا ويخزنونها في عقلهم الباطن ومع مضيّ الزمن تترجم هذه الأفكار والمشاعر والأحاسيس إلى سلوك عادي بالنسبة لهم!.

e.jpg
القط صديقٌ أليف للعائلة 

أما نحن فقد نسينا أو تناسينا أن الفأر في ثقافتنا عدوٌّ لدودٌ!نجسٌ ناقلٌ للأمراض القاتلة! لا يجتمع معنا في مكان واحد!وإذا دخل فأر بيتنا لا نكل ولا نمل حتى نخرجه منه حياً أو ميتاً!بعكس القط الذي هو صديقٌ أليف للعائلة كلها يأكل ويعيش بيننا!لا بل دخلت عجوز النار عندما حبسته في بيتها ولم تطعمه!وقص ثوبه عالم جليل كي لا يزعجه عندما وجده نائماً على ثوبه!ونكن له كل مودة واحترام حتى أن البعض يُكني نفسه أو يُكنى باسمه تيمناً بفضائله! فهو الذي يقوم مُتطوعاً بتنظيف المنزل من الفئران والحشرات التي قد لا نراها!وهذه المشاهد التي يراها أطفالنا تعطيهم قيماً جديدة غير مألوفة لدينا ما كنا لنقبلها لو كنا في كامل وعينا!وتكسر بالمقابل قيماً نريد زرعها في عقولهم!.

2012-07-12-16-38-45
ظاهرة العنف 

ومن أهم هذه القيم الجديدة التي تسللت إلى أطفالنا وامتدت إلى مجتمعنا كله ظاهرة العنف حيث أصبح الكثير منهم يفكر بحل مشكلاته عن طريق العنف كما يحل البطل جيري مشاكله المصطنعة مع القط المسكين توم!والأهم من ذلك كله أن أطفالنا أصبحوا مُقلدين للبطل جيري في السلوك السلبي وفهموا منه أنهم أحرار فيما يفعلون وفيما يريدون ومتى يشاؤون لا بل تساوى عندهم الصديق مع العدو!وقد ينتصرون للعدو ويساعدونه ويدافعون عنه ويرتمون في أحضانه تماماً كما نراه يحصل في حروبنا الداخلية!.

599210_308847359210042_1978361467_n
توحّد أولادنا مع التلفاز 

عندما يجلس طفلك أمام التلفزيون جرّب أن تكلمه في أي موضوعٍ تريد فلن يستمع لك لكنه يسمعك فقط!والفرق شاسع بين السامع والمستمع!فالسامع يُفرَض عليه السمع فرضاً وله أن يسمع أو لا يسمع أما المستمع فهو الذي يريد أن يسمع فيصغي جيداً ويستخدم حواسه الأخرى كي يستمع!ولو طلبت منه أن يقوم بعمل ما فلن يستجيب لك لأنه توحّد مع التلفاز وانفصل عن العالم!وأعفى نفسه من أية مسؤولية أخرى!لأن الجلوس أمام شاشة التلفاز غير مكلف ولا يحتاج منه إلى بذل أي جهد كالقراءة من كتاب أو كالرسم أو كأي عمل آخر!.

31
المعلم المُميّز هو من يُضحكه ولا يُتعبه!

وانعكست هذه الرسوم المتحركة على العملية التعليمية برمتها!فقد أصبح طالبنا لا يُميز بين المعلم الذي يريد أن يُعطي وبين المعلم الذي لا يريد أن يُعطي!بل على العكس فقد أصبح معلمه المُميّز هو من يُضحكه ولا يُتعبه!وأصبح الطالب في المدرسة لا يريد أن يستمع لمعلميه!وإذا استمع لا يستجيب لما يُطلب منه!اللهم إلا إذا شرح المعلم ما سيأتي في الامتحان فقد يسمع!وفوق ذلك فقد تمرّد الطالب على القوانين المدرسية ووجد لذة في اختراقها!وأصبح غير مُكترث بما يدور من حوله!ولا يُميز بين الغث والسمين!.

imagesCASLXX3R
ما يطلبه طلابنا في هذه الأيام 

وأصبح كل ما يطلبه الطالب من المدرسة هو النجاح فقط!وعليه أن يحصل على هذا النجاح بأي طريقة كانت دون أن يستمع للمدرس في الفصل!ودون أن يدرس في البيت! فلم يبق أمامه إلا التسجيل في مركز تقوية أو الاستعانة بالمدرس الخصوصي وعندما يفشل في تحقيق النجاح لم يبقَ أمام هذا الطالب إلا الغش في الامتحان لتحقيق هذا النجاح المزعوم وأصبح ما يبذله طلابنا من جهد في ابتكار طرق ووسائل الغش كفيلة بإنجاحهم لو اعتادوا على بذل الجهد وهم صغار!. 

imagesCARBQEAC
بالغش ينجح في الإمتحان

وأصبح الطالب ينجح بالغش ويقنع أهله بجدوى المركز الذي انتسب إليه أو بعبقرية المدرس الخصوصي الذي تتلمذ على يديه! لتستمر هذه اللعبة سنةً بعد سنة إلى أن يكتشفها امتحان الثانوية العامة فيجني كل طالب ما كان قد زرع!ويحصد الأهل السراب! ويكتشفوا اللعبة ولكن بعد فوات الأوان!وأخذت ظاهرة الغش تتعمق أكثر عندما تجد من يتطوّع من تلقاء نفسه ليغشش طالباً آخر لا يعرفه بحجة أن رسوبه في الامتحان حرام!وإذا لم يساعده فسيكون أنانياً!ولأن إغاثة الملهوف والمحتاج من شيمنا العربية الأصيلة!.

0
 شرطة السير 

ويكبر الصغار ويتخرجون ويعملون في الوظائف العامة أو الشركات الخاصة أو في التجارة أو في الصناعة ويكبر الغش معهم!ولو أنكم أمعنتم النظر أكثر في هذه الظاهرة لوجدتم أن هناك من يتعاون ضد شرطة السير في الطرق السريعة بتنبيه القادم من الجهة المعاكسة بومضات من الضوء القوي يُشعرهم بوجود الشرطة أمامهم ليفلتهم من العقاب تحت ذريعة حرام أن يُخالفوا مرة ومرة أخرى قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق!.

مقالات