لهم في ذمتي عصفور


parents-on-facebookطلب مني السيد أسامة طه تأكيد الصداقة بيني وبينه على الفيسبوك دون أن يكون بيننا سابق معرفة شخصية وبعد أن أكدت صداقته فتحت على صفحته وعندما شاهدت صورته الشخصية وجدتها صورة طبق الأصل عن والده المرحوم حسن أحمد خالد (أبو طارق) وعلى الفور عادت بي الذاكرة إلى أكثر من نصف قرن كان قد مضى عندما كان والد أسامة صديقاً لأخي الأكبر المرحوم محمد حسين عبود (أبو حسين) فهم من جيل واحد وزملاء دراسة حتى الصف التاسع أما أنا فكنت أصغر منهم سناً بخمس سنوات على الأقل.

DSC00011
القوس

وكان الشباب الذين هم أكبر مني سناً في ذلك الوقت ومنهم أبو طارق وأبو حسين يُحضّرون أقواسهم لصيد العصافير سلفاً قبل أن يحل موسم التين والعنب وبعده القبّار بشهر واحد على الأقل وكان أبو طارق يملك أقواساً كثيرة مثله مثل باقي شباب القرية في تلك الأيام لكنه كان يزيد عنهم بأنه يملك قوساً كبيراً جداً فوق العادة كان قد جهزه له والده ويسمى بلغة هذه الأيام (ملك) الأقواس لو صح التعبير.

62640_376229579213827_3222034012638673118_n
بير المرج

وفي أحد أيام الصيف اتفق أخي أبو حسين وصديقه أبو طارق أن يذهبا معاً للصيد صباحاً بعد أن جهز كل منهما أقواسه فطلبت منهم أن يسمحوا لي بمرافقتهم وبعد جهد جهيد وبتدخل شخصي من أبو طارق سمحوا لي بذلك وتوجهنا ثلاثتنا إلى منطقة بير المرج وعلى الفور قاما بنصب أقواسهما على شجر التين الموجود بكثرة هناك وعادا ليجلسا تحت شجرة زيتون كبيرة فوق نبع بير المرج وأخذا يلعبان الشدة معاً (الباصرة) لعبة تلك الأيام.

imagescbl3jn15
عصفور زراقي

وبعد أن اندمجا في اللعب طلبوا مني أن أذهب كي أطلّ على الأقواس المنصوبة وعندما وصلتها وإذا بملك الأقواس قد صاد عصفوراً فاقتربت منه وتناولت هذا القوس من على شجرة التين ووضعت طرفه الأسفل على الأرض فوصل طرفه الأعلى إلى وجهي وبحركة لا إرادية انحنيت بجسمي فوق ذلك القوس لتثبيته دون أن أمسك بالعصفور فارتخى الخيط الذي يمسك بالعصفور فطار العصفور وأنا مندهش مما حدث وبدأت أراقب ذلك العصفور إلى أن وصل إلى الجبل المقابل وبعد عودتي إليهم سألني أبوطارق عن الأقواس فأخفيت عنه كل ما كان قد حدث معي وبعد هذه السنين أقرّ وأعترف أن لورثة المرحوم أبو طارق في ذمتي عصفور ولهم الخيار في استرجاعه بالطريقة التي يرونها مناسبة.

ذكريات في بلدنا

خربة قيس في العهد التركي


imagesH2XEPSZP
تحصيلدار

على الرغم من صعوبة وصول السلطات التركية إلى هذه القرية إلا أنها إستطاعت أن تأخذ منها بعضاً من شبابها كي يحاربوا معها في بلاد اليمن وكان منهم الرومي أحمد حسن الذي مات ودفن هناك!لكنهم بالمقابل عندما كان يأتي التحصيلدار أي جامع الضرائب في الزمن التركي قادماً على فرسه من بلدة سلفيت كان رجال القرية يرونه قبل أن يراهم فيفرون منه إلى الجبال المجاورة وعندما يصل هذا التحصيلدار إلى القرية لن يجد فيها غير الأطفال والنساء فيعود من رحلته هذه كما عاد الأعرابي بخفي حنين!.

untitled203
والدي رحمه الله

ولا بد من التنويه هنا إلى أن تركيا كانت تفرض على كل قرية ومدينة في فلسطين ضريبة معينة على سكانها وتطرحها في المزاد العلني على المقاولين والسماسرة!ومن ترسو عليه هذه المناقصة يضيف لها عمولته ثم يعطى كافة الصلاحيات في إختيار طريقة جمعها وتحصيلها ومن أجل التهرب من دفع هذه الضريبة التي كانت تقصم ظهور أهل القرية كانوا يسجلون كل أراضي العائلة باسم طفل صغير فيها كي لا يطوله القانون!وبعد أن رحلت تركيا تولدت مشاكل كثيرة من جراء ذلك فمثلاً كانت كل أراضي عائلتنا إلى عهد قريب مسجلة باسم والدي وباقي أفراد العائلة لا يملكون شيئاً أمام القانون!. 

figdetail
شجر التين في بير المرج

وكان في أرض القرية نبع ماء يسمى بير المرج يقع شرق القرية ويبعد عنها حوالي 3 كم وكان هذا النبع يسقي سهلاً مترامي الأطراف بواسطة شبكة من قنوات الري الموزعة على أرضه المزروعة بأشجار التين فكان هذا المرج يبدو من بعيد وكأنه غابة من الأشجار المتشابكة حتى أنه كان بمقدور من يريد الوصول من أهل هذه القرية إلى هذا النبع أن يتنقل من شجرة إلى أخرى دون أن تطأ قدماه الأرض فيصل هذا البير وعندما فشل الأتراك العثمانيون في تحصيل ضرائبهم المترتبة على أهل هذه القرية قاموا بتخريب بير المرج وتكسير قنواته عقاباً لهم ونكاية بهم!.

dsc02469
المضافة

لكن مع كل سلبيات العهد التركي من فقر وجهل ومرض إلا أن تركيا لم تتدخل في البنية التحتية للسكان بل تركتهم يعيشون حياتهم كما هي دون زيادة أو نقصان فقد كان الناس يحبون بعضهم بعضاً وكان التكافل الإجتماعي هو السائد بينهم في تلك الفترة وعلى إثرها قاموا ببناء المضافة لتكون المكان الذي كان يجمعهم في الليل وأثناء النهار وفوق ذلك كله كانوا يستقبلون فيها ضيوفهم وكان ضيف أحدهم يعتبر ضيفاً على أهل القرية كلها!.

130410_2011_05_27_16_44_20.image2
وكانوا يساعدون بعضهم البعض في موسم حصاد القمح ويسمونها عونة!

وفي غياب الضيوف كانوا يأكلون ويشربون معاً في داخلها كأنهم عائلة واحدة!وكان القوي فيهم يساعد الضعيف!ومن يملك كان يعطي من لا يملك!وكانوا يساعدون بعضهم البعض في موسم الزيتون وفي نهايته يوزعون الجاروعة على من يستحقها من أهل القرية!وفي موسم حصاد القمح والشعير والفول والعدس كانوا يوزعون عرام البيدر لمن يحضر ولا يملك!.  

images
وكانت هذه القرية تقع على أهم طريق رئيسي يربط قرى ومدن الجنوب الفلسطيني بقرى ومدن الشمال الفلسطيني!

واكتسبت هذه القرية أهميتها في ذلك الوقت من أنها تقع على أهم طريق رئيسي يربط قرى ومدن الجنوب الفلسطيني بقرى ومدن الشمال الفلسطيني حيث كانت تنطلق قوافل الحمير والبغال والجمال وهي تحمل على ظهورها القُطّين والعنب والصّبر من الجنوب والوسط ليتم مبادلتها من الشمال بالبندورة والخيار والبرتقال وكانت هذه القوافل تتخذ من هذه القرية نقطة إستراحة لها نظراً لوقوع هذه القرية في منتصف هذا الطريق تقريباً عند نبع بير الدرج ليشربوا ويسقوا دوابهم من هذا النبع!.

تاريخ بلدنا