أول تجربة لي مع الشرطة


x240-QHt
ليركب معه أحدكم ويوصله إلى المديرية حالاً بسيارته

أدخلوني إلى غرفة المحقق، فسألني في الحال، حيث قال: هل معك سيارة؟فقلت له: نعم فقال للشرطة الذين يحيطون به من كل جانب، ليركب معه أحدكم، ويوصله إلى المديرية العامة حالاً بسيارته، وفي الحال جاء شرطي وركب معي في سيارتي، واتجهنا بها من المخفر إلى المديرية العامة للشرطة في مدينة الرصيفة، وقبل أن نصلها، قال لي هذا الشرطي:إتصل يا حاج بمعارفك الآن، قبل أن ندخل المديرية، لأنهم سيأخذوا منك تلفونك الشخصي.

images
اتصلت مع ابني كي أعلمه بالخبر

فاتصلت مع ابني كي أعلمه بالخبر، وعندما اقتربنا من المديرية، قال لي الشرطي: سأضع لك سيارتك في محل آمن، ضعها هنا أمام المديرية، وانزل معي، بعد أن تقفل سيارتك جيداً، فقلت له: وقوف سيارة مدنية أمام المديرية العامة ممنوع، فهم قد يسحبونها بالونش، إذا طال وقوفها، فقال: ما عليك، أنا أتعهد لك بسلامتها، وفهمت أن هذا الشرطي يريد أن يقلل من المسافة، التي سيسيرها على قدميه، لو ركنت سيارتي في موقف آخر، وبالتالي سيقلل الزمن الذي يستغرقه في مهمته، حرصاً منه على آداء واجبه الوطني.

untitled
معي أستاذ مدرسة مطلوب في قضية

دخلت مع الشرطي حاجز البوابة، بعد أن قال للحرس: معي أستاذ مدرسة مطلوب في قضية، فتحوا لنا الباب، ودخلنا إلى بناية كبيرة، لم يكن بداخلها سوى مكتب واحد مفتوح، لكنه بدون موظف، أما باقي المكاتب فهي مغلقة، والصمت مطبق في هذا المكان، قطعه صوت الشرطي الذي يقودني، وهو ينادي على زميله: يا فلان، تعال واستلم، وحضر الشرطي المقيم في الحال، وسجل إسمي في دفتر خاص، وعندما سألتهم، إذا كان بإمكاني أن أدخل الحمام، لأنني أجهل المكان الذي سأذهب إليه.

51
أنزلني ذلك الشرطي درجاً ينتهي بسرداب

فأجابني أحدهم: حمام الزنزانة أفضل، كي تعتاد عليه منذ البداية، وعليك أن تتحمل، فكلها دقائق معدودة وتكون هناك، وأنزلني درجاً ينتهي بسرداب، ثم أدخلني في غرفته، وإذا به حارس الزنزانة التي تنتظرني دون أن أعلم، وقال: اخلع نعليك وحزامك، وأعطني تلفونك، ودخانك، ومفاتيح سيارتك، وساعتك، فأطعت أمره في الحال، ثم قال لي: اتبعني، وفتح باباً حديدياً قطع صمت المكان، وأيقظ من كان نائماً في الزنزانة، وتجمع سكان الزنزانة حولي، ليروا الزائر الجديد الذي دخل عليهم، وأدخلني عندهم، وأقفل علينا الباب.

untitled
وقالوا لا بد من قضاء الليلة هنا

عندما علمت زوجتي وأولادي بالخبر، حضروا إلى المديرية العامة لتكفيلي، لكنهم رفضوا ذلك، وعرض عليهم ولدي، أن يدخل الزنزانة بدلاً من أبيه، لكنهم رفضوا، وامتثلوا لأوامر الله، عندما قال في كتابه العزيز: ولا تزر وازرة وزر أخرى، وقالوا: لا بد من قضاء الليلة هنا، فقال لهم ولدي: رضينا بحكم الله تعالى فينا، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: تسحروا فإن في السحور بركة، فلو سمحتم أدخلوا للوالد هذا السحور، الذي أحضرناه معنا من البيت، فأجابوه: نحن جنود مجندة، ننفذ القوانبن الموضوعة لنا، وإدخال الأكل إلى الزنزانة ممنوع بحكم القانون، فقال لهم: لكننا نعيش في العشر الأواخر من رمضان، والحسنات تضاعف لي ولكم، فقالوا: القانون لم يستثني رمضان.

170
لم أجد واحداً منهم يميز بين الخيط الأبيض والأسود 

حدث كل هذا، وأنا مصعوق من الدهشة، وغير مصدّق لما كان قد حدث، ويحدث، وسوف يحدث في الساعات القادمة، وتأكدت الآن، بأن الأمر جديّ، ولم يكن من باب التهديد، فقد كنت أخاطب نفسي بنفسي وأقول: أنا معلم مدرسة، فماذا يمكن لمعلم  مدرسة في مثل سني أن يعمل؟ أيعقل أن أمرّ على كل هؤلاء الشرطة والضباط، دون أن أجد أحداً منهم، يميز بين الخيط الأبيض والأسود، ويقول ولو كلمة واحدة في حقي، فأنا عمري الآن ستون سنة، فما هو الخطر الذي سأحدثه على الأمن العام؟.

images
أول تجربة لي مع الشرطة 

فلو أنهم قالوا لي: عليك قضية، أعطنا هويتك رهينة، واذهب إلى بيتك، لأن اليوم يوم عطلة رسمية، وعندما تنهي قضيتك، تعال وخذ هويتك، لكانوا قد وفروا عليّ، وعليهم، الشئ الكثير، ومع كل هذا، لم أكن في داخلي منزعجاً، لأنها أول تجربة لي مع الشرطة، والزنزانة، والمساجين، وأرغب في قرارة نفسي، أن أخوض مثل هذه التجربة الإنسانية، لأرى بعيني، بعد أن سمعت بأذني، ما يحدثه حجز إنسان لأخيه الإنسان.

الفراسة

هذه قضية عمرها ثلاث عشرة سنة، وخلال هذه المدة، جدّدت جواز سفري، ورخصْتُ سيارتي، وسافرت إلى الخارج، وإلى الداخل، ولم يطلبني أحد، فكيف أكون خطيراً على الأمن، وأنا أسرح وأمرح طيلة هذه المدة؟ أين فراسة الشرطة التي اكتسبوها من تعاملهم مع الإجرام والمجرمين، وفي تمييز الخطرين على الأمن منهم من وجوههم؟ إذا كانت الخيل تُعرف من أصواتها، فما بالكم بالبشر؟ أنا مع تطبيق القانون، لكن لا بد أن يكون العقل سيده، فالقانون أعمى، ومن يطبقه بصير، ولكنها المسئولية يا سادة، التي لم أجد من يتحملها، وهذا هو بيت القصيد.

ليلة في الزنزانة