شيوخ الأمس وشيوخ اليوم


fa20q25
الشيخ أبو زيد بن الإمام

ذكر العالم الكبير أبو العباس الونشريسي في كتابه القول المنيف أنه حضر يوماً مجلس أبي زيد بن الإمام في شرح وتفسير القرآن الكريم وعندما وصل شيخه أبو زيد بن الإمام إلى آية من القرآن الكريم تصف الجنة وأهلها أخذ الشيخ يُعدد ما في الجنة من نعم كثيرة فسأله صبيّ في مجلسه وقال: هل يُقرأ فيها العلم يا مولاي؟فأجابه شيخه أبو زيد: نعم يا بنيّ فيها ما تشتهيه الأنفس وما تلذ به الأعين فقال له الصبي: لو قلت لا لقلت لك لا لذّة في هذه الجنة فعجب منه أبو زيد بن الإمام وقرّبه منه أكثر.

imagescaf8mokx
شيوخ اليوم

والآن جاء دوري للتعليق على هذه الحادثة البسيطة فلم يسأل ذلك الصبي عن أنهار اللبن ولا عن أنهار العسل ولا عن الحور العين كما يسأل عنه طلاب الجنة في هذه الأيام ولكنه سأل عن العلم وعن العلم فقط ولسان حاله يقول: أنني لا أريد الجنة إذا لم يكن بها علم والأهم من ذلك كله أن شيخه فهم ما قصده هذا الصبيّ على الفور ولم يغضب من سؤاله ولم يخرجه من مجلسه ولم يقم بتكفيره ولم يستهن بالعلم الذي كان يطلبه هذا الصبي فماذا لو حدثت هذه الحادثة في زماننا هذا مع شيوخ هذه الأيام؟ فوراً سيتهم الشيخ الصبي بالزندقة ويخرجه من مجلسه ومن الملّة أيضاً.

من كل بستان زهرة

سـألـونـي فـلـم أجـب


untitled23
سألوني فلم أجب 

سألني أكثر من صديق وعلامات الدهشة بادية على وجهه وهو يقول لي: كنا قد قرأنا لك بعضاً مما تكتب فوجدناه بعيداً كل البعد عن تخصصك فكيف تكون مُدرّساً للرياضيات وتكتب في العلوم الإنسانية؟ فكنت عندما كان يوجه لي مثل هذا السؤال أكتفي بالإبتسامة في وجه من يسألني دون أن أجب أحداً منهم عند لحظة سؤاله بل كنت أؤجل الإجابة على مثل أسئلتهم حتى يحين موعد الإجابة عليها لأن مثل هذه الأسئلة الكبيرة يصعب الإجابة عليها بكلمات معدودة واليوم حان موعد الإجابة على مثل هذه الأسئلة. 

science_tools_thumbnail
لا تناقض بين العلوم التطبيقية والإنسانية 

للأسف الشديد يعتقد معظم الناس أن ثمة تناقضاً بين العلوم التطبيقية والعلوم الإنسانية غير أنني لا أرى الأمر كذلك لأن المعرفة والعلم يجب أن يتداخلا مع الإنسانيات لخلق الإنسان الذي نريد فنحن نطمح في إيجاد الإنسان الذي لا يريد أن يعمر الأرض بعلمه فقط بل بإنسانيته أيضاً كي يكون جديراً بخلافة الله في الأرض ولا نريد إنساناً يرث الأرض عن آبائه وأجداده ويسلمها إلى أحفاده دون أن يعمرها أو يُطوّرها.

pic_4_1240182996
الأدب يدرب أطفالنا على استخدام العلم 

هذا المفهوم لا يستطيع العلم وحده أن يزرعه في عقول ونفوس الناشئة من الأطفال الصغار وهنا يأتي دور الأدب في تعميق هذا المفهوم ونرسيخه في آذانهم وعقولهم فبالأدب نستطيع أن ندرب أطفالنا وهم صغار على استخدام العلم في اكتشاف الحقيقة وعلى الجهر بها عند اكتشافها كما فعل نيوتن لأن الوصول إلى الحقيقة والقول بها يضيف عقولاً جديدةً إلى عقول أطفالنا.

image003-785183
لا يكفي أن نعلم الناس قوانين نيوتن 

إن الأدب يسند العلم في جميع مراحل تطوره وينقيه من الشوائب التي علقت وتعلق به على مر العصور والأدب وحده هو الذي يؤثر في البنية الروحية للإنسان ويصفيها فلا يكفي أن نعلم الناس قوانين نيوتن ونظرية رول ونظرية فيثاغورس دون أن نعلمهم الظروف التي مروا بها كل على انفراد والدوافع التي من أجلها كانت قد اكتشفت مثل هذه النظريات فالأدب بالتالي سيوسع الدنيا في نظر أبنائنا ويستنهض هممهم ويهذب من عواطفهم ويجعلهم أكثر ثقافة ورحمة ويطلعهم على مدى أوسع من العواطف والشخصيات لا يستطيعون أن يعيشوها في حياة واحدة.

Of-the-first-established-style-messages-in-Arabic-literature
الأدب يعلمنا أن الجهل بالشيء ليس عيباً ولا حراماً

والأدب وحده هو الذي يهب أطفالنا القدرة على معرفة أزمنة وأمكنة لا يمكن أن يصلوا إليها بالعلم وحده والأدب هو الذي سيفهم أطفالنا أيضاً بأن الجهل بالشيء (أي شئ) ليس عيباً ولا حراماً ويفهم أطفالنا أيضاً أنهم يستطيعون المجاهرة بوجود أشياء كثيرة جداً لا يعرفونها في أي زمان ومكان وهذا بحد ذاته لا يعتبر عيباً ولكن العيب كل العيب أن نعلمهم الإدعاء الكاذب للمعرفة.

3846384
العلم غذاء للعقل والأدب غذاء للقلب 

والأدب وحده هو الذي يعلم الأبناء أن يصغوا لنا كيْ يتعلموا الإصغاء للآخر ويعلمهم الاختلاف معنا كي يتعلموا الاختلاف مع الذي يخالفهم في الرأي دون أن ينزعجوا وأن يأخذوا هذا الآخر بعين الاعتبار ويُنسقوا معه الأفكار الناتجة عن هذا الحوار فالحوار مع الآخر هو الذي يُولد العقول ويجعلها قادرة على استيعاب الأحداث المستجدة لهذا فالعلم غذاء للعقل والأدب غذاء للقلب والإنسان عقل وقلب فهو يحتاج الاثنين معاً.

الدنيا حكايات