
ولد الشاعر العراقي الكبير أحمد الصافي النجفي سنة ١٨٩٧م في مدينة النجف الأشرف بالعراق لأب من أسرة حجازية الأصل وأم لبنانية من مدينة صور في الجنوب اللبناني وما هي إلا بضع سنوات كانت قد خلت حتى توفيت والدته بعدها كان قد فقد الإستقرار في حياته فعاش متنقلاً بين العراق وسوريا ولبنان وإيران ومكث في طهران ثماني سنوات ترجم خلالها إلى اللغة العربية رياعيات الشاعر الفارسي الكبير عمر الخيام.

وفي أحد الأيام بينما كان يسير هذا الشاعر الكبير أحمد الصافي النجفي مع مرافق له في أحد شوارع بيروت إلتقى مع إمرأة (أرمنية) ودار بينها وبين هذا الشاعر حديث لم يفهمه مرافقه فسأله مرافقه هذا عن فحوى ما دار بينهما من حديث فرد عليه الشاعر الكبير ببيت من الشعر يقول فيه:
كلمتني ولم أفهم عليها فكان كلامها كالشعر الحديث

من هنا سأبدأ مقالي هذا فشاعرنا العظيم الذي أتقن عدة لغات وتعرف على عدة ثقافات يعترف بأصغريه أن الشعر الحديث غير مفهوم لديه فكيف لي أن أفهمه أنا وغيري من عامة الناس؟وإذا كان هذا حال شاعرنا العظيم فلمن يكتب هؤلاء الشعراء الجدد يا ترى؟لا أكاد أفتح صحيفة يومية أو مجلة أسبوعية أو حتى موقعاً اليكترونياً إلا وأجد من يُتحفنا بكلمات مرصوصة على شكل مصفوفة هي أقرب إلى الحجب أو الحزازير يسمونها قصائد شعرية حديثة وإذا سألتهم عن السبب في ذلك تجدهم يتذرعون بحجج واهية أهمها التخفي عن أعين وآذان السلطة.

عندما كنت صغيراً في السن أيام المدرسة ملؤوا ذاكرتي بالشعراء السابقين والمعاصرين فقررت أن أجاري هؤلاء الشعراء وأكتب الشعر وبعد أن كتبت قمت بعرضه على المرحوم أستاذ اللغة العربية في مدرسة سلفيت الثانوية الأستاذ عبدالحليم زهد وعندما قرأ ما كتبت مزق الورقة بالشعر المكتوب عليها ورماها في سلة المهملات وقال لي:الشاعر يا بني يولد ولا يصنع ولا يستنسخ قم وابحث لك عن مجال آخر تستفيد منه وتفيد غيرك فلو أن كل شاعر من هؤلاء وجد من يمزق له ما يكتبه لما أصبح عندنا من مشكلة لكن رؤساء التحرير في صحفنا المحلية لا يجدون ما يملؤون به صحفهم ومجلاتهم غير هذه الأحاجي الشعرية فيوهمونهم بأنهم شعراء فينشغلون ويشغلوننا بكلماتهم المصفوفة ويصدقون أنفسهم بأنهم شعراء.

في الماضي عندما كنا قبائل متناحرة كان الشاعر في القبيلة يعد من أهم أركانها وكان لكل شيخ قبيلة أو خليفة شاعره المقرب منه الذي يتلقى الهجوم قبل أن يصل إلى شيخه ويحلله هذا الشاعر ويفهمه إن كان هجوماً سياسياً أو إجتماعياً أو دينياً ويرد في الحال بمثله أو أكثر منه فلم يكن هناك راديو أو تلفزيون أو مجلة أو جريدة أو إنترنت ولم يكن هناك سماعة أو مكبراً للصوت فعلى من يريد أن يوصل فكرة أو كلمة للناس عليه أن يقتني شاعراً أو يستورده زد على ذلك أنه أصبح لكل دولة وزيراً للإعلام يدافع عنها ويرد على أعدائها ويوضح مواقفها ولا داعي لمثل هؤلاء الشعراء الأفاضل.

