
جيلنا (جيل النكسة والهزيمة) لم يع نكبة عام(1948) وما خلفته للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة من مآسي وأحزان لأننا كنا أطفالاً صغاراً أو في بطون أمهاتنا ومن كان منا في بطن أمه رضع نتائج هذه النكبة مع حليب أمه فحليب الأمهات في تلك الفترة كان ممزوجاً بالهمّ والغمّ والحزن والنكد أما من كان طفلاً منا فلم يعش طفولته مثل سائر أطفال العالم بعد أن خرجنا لهذه الحياة غصباً لم يفرح أحد بمولدنا وقدومنا لأن ما كان عند أهلنا وعند الناس يكفيهم من نزق الحياة وشظف العيش.

أما نكسة عام 1967 فعشناها شباباً جعلتنا نبدو أكبر من أعمارنا بكثير بعد أن حرّمنا على أنفسنا زينة الشباب وأصبحنا كباراً في غير الأوان وعندما شخّصنا أمراض الأمة العربية فوجدناها مُثلثاً مختلف الأضلاع أضلاعه الفقر والجهل والمرض فعقدنا العزم على إزالة هذا المثلث الكريه من الوجود وقلنا إذا لم نستطع إزالته بالكامل فسنحوله إلى زاوية أو إلى مستقيم على الأقل وانطلقنا وانتشرنا في كل بقعة من بقاع الوطن العربي الكبير نحملُ شعارنا الأبدي بلاد العرب أوطانيمن الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان ولم نكن نسعى وراء المال أو الجاه كما اعتقد البعض منكم أو أراد الاعتقاد.

فلو أنك أمعنت النظر جيداً لرأيت الشباب الفلسطينين في ذاك الوقت قد تحوّل في مُعظمه إلى مُدرسين ومهندسين وأطباء وفنيين في جميع المجالات والتخصصات ولم يتحول إلى مُقاولين أو سماسرة أو قطاع طرق فلوّنوا الأرض العربية بالأخضر بعد أن كانت جرداء قاحلة واستصلحوا أراض أخرى كانت فيما مضى صحراء وعززوا الإنتماء للأرض وللوطن وفتحوا المدارس والجامعات والمستشفيات وأسسوا الشركات والمصانع والبنوك وأناروا شوارع كانت معتمة بالكهرباء والأهم من ذلك كله أنهم غيّروا قيماً سلبية كانت سائدة في ذلك الوقت فلم يكن الإنسان العربي لا يحبّ العمل في الأرض فحسب وإنما كان يستعيبُه أيضاً فالفلاحة مثلاً كانت عيب في شرع بعض العرب يُعاقب صاحبها بعدم مُصاهرته.

أما المدرسون منهم فقد طاردوا الجهلوالسحر والخرافة والعصبية والتعصب والإقليمية والطائفية ونشروا الوعي والفكر والأخلاق والمساواة والعدل والعدالة والأنفة والقدوة الحسنة والأهم من ذلك كله أنهم علموا الناس التمرد على واقعهم السئ وأصبح لهم أتباع ومُريدون ونادراً ما كنت تجد قرية في الوطن العربي لم يدخلها مُدرّس فلسطيني وانقسم إخوانهم العرب حولهم إلى قسمين:قسم يُطالبُ حكوماته باستحداث مُخيم للفلسطينيين في أيّ مكان يرغبون في تطويره أما القسم الآخر فكان يطالب حكوماته بإبعاد الفلسطينيين من بلادهم لأنهم ساعدوا في تطوير الشعوب أكثر مما ينبغي.
