
الدكتور عبدالسلام العجيلي لمن لا يعرفه من مواليد مدينة الرقة في شمال سورية، تولّع بالكتابة والقراءة منذ نعومة أظفاره وأراد أن يكون (كاتباً) لكن والده كان يُريده أن يكون (طبيباً) كي يفتخر به أمام العائلة والناس أجمعين، فدرس الطبّ في جامعة دمشق لا حباً في الطب بل حباً في والده. وبعد أن تخرج من الجامعة أهدى شهادة الطب التي كان قد حصل عليها لوالده واشتغل بالكتابة، وكنت قد قرأت له مقالاً في سبعينات القرن الماضي قال فيه:

كان لي صديقٌ يعيش في بلاد النرويج زارني ذات مرة في بيتي في مدينة الرقة وطلب مني (حِلس) جمل ليكون هدية تذكارية له من الشرق العربي ليعلقه في بيته في بلاد النرويج. احترت في طلبه هذا وحاولت أن أثنيه عنه وطلبت منه بأن يستبدل حلس الجمل هذا بهدية تذكارية أخرى من بلاد الشام لكن صاحبي أصرّ على هديته، فما كان مني إلا الرضوخ أمام طلبه هذا وقمت بشراء حِلس جمل وقدمته له كهدية تذكارية له.

وأكمل الدكتور يقول: ودارت الأيام وذهبت إلى زيارة صديقي في بلاد النرويج وعندما أدخلني بيته وجدت هديتي (حلس الجمل) تتوسط الجدار الأوسط في غرفة الاستقبال، واندهشت لما كنت قد رأيت وبعد انتهاء الزيارة قال لي صديقي النرويجي: سأهديك يا صديقي تذكاراً من الغرب كما أهديتني أنت تذكاراً من الشرق ولن أترك لك مجالاً للاختيار، فأنا قمت بتجهيز طائرة هليوكبتر كي تأخذها معك، ثم أكمل الدكتور وقال: واحترت في هدية صديقي هذه فكيف لي أن أحضرها معي من بلاد النرويج؟ وإذا أحضرتها أين سأضعها؟ وكيف سأطير بها وأنا لست بطيار؟ فاعتتذرت لصديقي هذا في الحال عن قبول مثل هذه الهدية إلى هنا انتهى كلام الدكتور عبدالسلام العجيلي والآن جاء دوري في الكلام.

مع احترامي لقراراتك يا دكتور عبدالسلام فقد أخطأت الهدف مرتين: مرة عندما لم تسمع كلام والدك ولم تمارس مهنة الطب والثانية عندما رفضت هدية صاحبك النرويجي. ففي المرة الأولى والدك كان يعلم أن الأطباء في بلادنا بعد أن يقسموا قسم (أبقراط) في العلن يقسمون قسماً آخر موازياً له في السر على أن يقبلوا الهدايا والهبات من الأفراد ومن شركات الأدوية على السّواء.

فلو أنك كنت قد مارست مهنة الطب في بلادنا العربية قبل أن تذهب لزيارة صاحبك في بلاد النرويج لكنت قد قبلت هديته برحابة صدر، وبررت ذلك على الفور بقولك (النبي قبل الهدية) ولأصبحت من الأثرياء في عالمنا العربي، ولزرت معظم دول العالم على حساب شركات الأدوية، ولكنك يا دكتور لم تكتفِ برفض المهنة التي اختارها لك والدك فحسب بل اخترت أخطر مهنة وأكبر تهمة فالكتابة الجادة في بلادنا العربية يا دكتور تُحرّض على التفكير ومن يدعوا إلى التفكير في بلادنا العربية كأنه يدعو إلى التكفير.

كما أنك يا دكتور كنت قد أخطأت الهدف في المرة الثانية وجانبك الصواب عندما رفضت الطائرة دون أن تحسب حساباً للأيام القادمة، فلو أنك قبلت هدية صاحبك النرويجي بالأمس لاستخدمها ورثتك اليوم (إن أرادوا الخروج من الرقة) في الوصول بها إلى مخيم الزعتري مباشرة دون المرور على الحواجز المنصوبة على الطرقات، وعندما تحط رحالها في مخيم الزعتري ستجد هناك من طلاب الجامعات الأردنية من يشتريها منهم كي يستخدمها في (المعارك الجامعية) الطاحنة التي أصبحت تدور في جامعاتنا الأردنية، فطلابنا يا دكتور لم يكتفوا بتحويل ساحات هذه الجامعات إلى حلبات للمصارعة فحسب بل حولوها إلى معارك من نوع اضرب واهرب لهذا لم تعد سياراتهم تفي بالغرض، فبدؤوا يبحثون عن طائرات خاصة تقلهم بعد أن ينفذوا جرائمهم في الحرم الجامعي.
