في ستينات القرن الماضي اختلف الملحن الكبير رياض السنباطي مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم على كيفية قفل أغنية (الأطلال) التي كان قد كتب كلماتها الشاعر المصري إبراهيم ناجي، ودام هذا الاختلاف بينهما ثلاث عشرة سنة كان خلالها إبراهيم ناجي يُكثر من التردد على منزل السيدة أم كلثوم ويتوسل إليها أن تقبل برأي الملحن رياض السنباطي، وتتنازل عن رأيها كي ترى قصيدته النور فينشهر كاتبها، وهي ترفض طلبه هذا، وبقيت ترفضه إلى أن تُوفيّ هذا الشاعر بعد أن أصابه اليأس والإحباط من تصرفها معه.
وبعد أن مات هذا الرجل أذعنت أم كلثوم لطلب الملحن رياض السنباطي وغنّت هذه الأغنية لكن بعد موت كاتبها إبراهيم ناجي فسأل الناس عن كاتب هذه الكلمات، فعلموا بأنه ميت فأخذوا بمدحه والثناء عليه، فانشهر هذا الشاعر بعد موته ولكن بعد فوات الأوان. وهكذا كان إبراهيم ناجي هو الرجل الذي أذلته أم كلثوم حياً وأكرمته ميتاً. كرّست أم كلثوم القاعدة المجتمعية التي لا تكرّم المبدعين إلا بعد موتهم، وللإنصاف، فهذه القاعدة ليست اختراعاً عربياً محضاً، وإنما ظاهرة إنسانية في كل المجتمعات، وما جاليليو وابن رشد وإبراهيم ناجي إلا غيضٌ من فيض.