
أبو عبدالله هذا الذي أنوي أن أحدثكم عنه هو شخص ليس من جيلي بل هو أكبر مني سناً ولا تربطني به أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد ولم أجالسه أو أحادثه في يوم من الأيام لكنه عندما سمع بوجودي في عمان قادماً من الكويت بسيارتي عام 1983 وعلم كذلك أنني سأذهب بها غداً إلى جسر الأمير محمد وأتركها هناك حتى أعود من زيارتي للضفة الغربية فما كان منه إلا أن طلب من قريبي الذي يستضيفه عنده أن يُعرّفه على شخصي الكريم.

وبينما كنت أجهز نفسي للنوم استعداداً للسفر المتعب غداً وإذا بقريبي ومعه أبو عبدالله هذا يطلبونني على الباب فاستقبلتهم وأحسنت ضيافتهم لأنني كنت أرى هذا الرجل لأول مرة في حياتي ولم يسبق لي أن التقيت به قبل ذلك وعلى الفور قال لي قريبي: لا أريد أن أطيل عليك في الموضوع الذي قدمنا من أجله عمك أبو عبدالله يُريد مُرافقتك غداً صباحاً إلى مدينة سلفيت إذا لم يكن لديك مانع.

فقلت له: على الرّحب والسعة أنا أصلاً بحاجة لشخص مثل عمي أبو عبدالله يرافقني في هذا المشوار المتعب فغداً صباحاً إن شاء الله أمرّ عليه في بيتك ونذهب سوياً إلى الجسر فما كان منهما إلا أن غادرا فرحين شاكرين بعد أن تأكدوا من موافقتي وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى مقر إقامة عمي أبو عبدالله وإذا هو بانتظاري فركب معي وتوجهنا سوياً إلى الجسر بسيارتي وعندما وصلنا قمنا بتأمين السيارة عند أحد الكراجات التي استحدثت لأمثالي وقام عمي أبو عبدالله بحمل حقيبته بيده اليمنى وبطانية بيده اليسرى.

عندما رآني عمي أبو عبدالله أسير بجانبه وأنا خالي اليدين طلب مني أن أحمل له البطانية التي كانت معه تحسباً من الجمارك وفعلا حملتها ودخلنا نقطة التفتيش الإسرائيلية وهناك افترقنا كيف؟ ولماذا؟ لا أعرف ولم أكن أعرف السبب في حينه وكان من لا يحمل أمتعة معه تكون أموره سهلة ميسرة على الجسر لكنني الآن أصبحتُ أنا من أصحاب الأمتعة وعليّ الوقوف في طابور من معهم أمتعة لهذا تأخرت وخرجت من الجسر حوالي الساعة الثانية بعد الظهر.

بحثت عن رفيق دربي فلم أجده وبقيت في انتظاره حتى أغلق اليهود الجسر أي لم يبق فيه أحد من الزوار وكانت الساعة تشير إلى الخامسة عصراً لكنه لم يحضر وفي مثل هذه الساعة لم أجد سيارة تنقلني إلى سلفيت لأن كل السيارات قد غادرت فاضطررت لركوب سيارات نابلس وعندما وصلت نابلس لم أجد سيارة من سيارات سلفيت فكلها تغادر قبل المغرب فاستأجرت سيارة خاصة لتوصيلي وعلى الرغم من التكاليف التي ترتبت عليّ إثر ذلك وصلت سلفيت الساعة التاسعة ليلاً.

لم أقم بتبليغ أهلي عن يوم وصولي بل تركتها لهم مفاجأة وإذا بأبي عبدالله تاجر مُتمرس في شؤون الجسر واستعمل خبرته وتركني أتخبط وحدي وتمكن من الوصول إلى سلفيت حوالي الساعة العاشرة صباحاً ولم يكتف بذلك بل قام بالإتصال بأهلي تلفونياً يطلب بطانيته وبهذا عرف الأهل بأني قادم من عمان لزيارتهم فحرق لي المفاجأة وأدخلهم في حيرة من أمرهم وأثار المخاوف والهواجس في نفوسهم وبدؤوا ينتظرون قدومي ويضربون أخماساً في أسداس فكيف وصل أبو عبدالله ولم أصل أنا؟.
