عن بلدي احكيلي
مصلح بوابير الكاز

كنا في بداية القرن العشرين لا نستخدم في حياتنا اليومية غير الحطب وبقينا على هذا الحال إلى تم إختراع البابور فأخذ يسرق من الحطب دوره رويداً رويداً إلى أن إنتشر ووصل كل بيت فكان لا بد له من مصلح مثله مثل سائر الأجهزة الأخرى وكان هذا المصلح يتخذ له مكاناً في المدن أما في القرى فكان عليه أن يجوب أزقة وحارات كل قرية وهو ينادي بصوتٍ عالٍ وممطوط (مصليييييح بوابير الكاااااااز) كي يعلن عن نفسه!وكان كل من لديه بابور كاز من أهل القرية يعاني من (شحبار) أو (ضعف في اللهب) ينتظر قدوم هذا المصلّح لعمل الصيانة اللازمة لهذا البابور الذي كان يستخدم في كل شيء بما في ذلك التدفئة في أيام الشتاء!.

وكان هذا المصلح يجلس في ساحة البيت إن كان له ساحة وفي الطريق إذا لم يكن للبيت ساحة واضعاً عدّتّه وفارداً ما في حقيبته من رؤوس بوابير لامعة جديدة ونكّاشات وأسلاك ومية نار وستيمات وجلدات تلزمه لعمل الصيانة الدورية اللازمة وفي أغلب الحالات تكون المشكلة في جلدة الستيم فيقوم بتغييرها أو بانسداد في مجرى خروج الكاز لما كان يحتويه هذا الكاز من أوساخ فيقوم هذا المصلح بفتحها مستعملاً إبرة البابور!.

وبعد أداء هذه المهمة بنجاح!وبعد أن يقبض أجرته التي لن تتجاوز عدة قروش!ينطلق هذا المصلح مرّةً أخرى ويتابع جولته في أحياء القرية ويبدأ بالمناداة ثانية بصوته العالي الممطوط ليجد من يطلبه في الحال قبل أن يتمّ جملته!وفي هذه الأثناء يتجمع حوله الأطفال الصغار ويلحقون به ويرافقونه إلى المكان الجديد الذي سيستقر فيه!وكانت هذه المهنة في قريتنا محصورة في شخص واحد هو المرحوم سعيد أبو درّة (أبو أحمد) من قرية مزارع النوباني!.
وكان من حسن حظنا أن بيننا وبين هذا الرجل قرابة فكان يسامحنا في جهده الشخصي ولا يأخذ منا إلا ثمن قطع الغيار فقط وفي حال تعثر هذا البابور سوف لن ننتظر وصول أبو أحمد إلى قريتنا بل كنا نحمل البابور ونأخذه إلى بيته وهناك كنا نجد كل محبة وحنان من هذا الرجل وزوجته فكانت زوجته تجبرنا على نوم تلك الليلة عندهم وفي الصباح نعود بالبابور صالحاً أما اليوم فلا يسعني إلا أن أترحم على روحهيما وأقول رحمك الله يا أبا أحمد فقد كنت حنوناً علينا ونحن أطفال صغار ولحد الآن لا ولن أنس إستقبال زوجته (أم أحمد) وحبها لنا.
ذكريات في بلدنا
الـكُـبّـارة

في عصر الخلافة التركية كانت البيوت في القرى الفلسطينية عموماً وفي قريتنا بشكل خاص تُبنى من الحجر والتراب والماء و (القصل)!وما أن ذهبت تركيا وجاءت بريطانيا حتى تطورت الحياة بهم أكثر!وأصبحت البيوت تبنى بالحجر و (الشيد) قبل ظهور الإسمنت!وبهذا الشيد أيضاً كانوا يبيضون (يطرشون) جدران وسقوف بيوتهم من الداخل أو من الخارج!وكانوا فوق ذلك يضيفون هذا الشيد إلى المخللات بأنواعها وخاصة الزيتون للتسريع في نضوجها!فكيف كانوا يحصلون على مثل هذا الشيد في ذلك الوقت يا ترى؟.

من أجل كل هذا كانوا قد إخترعوا ما كانوا يسمونه (الكبارة) ولعمل مثل هذه الكبارة كان يجتمع القادرون على العمل (الشاق) و (الطويل) و (المتواصل) في القرية ويتفقوا فيما بينهم على إقامة (كبارة) لهم فيقومون باختيار مكان مناسب لها بحيث يتوفر حول هذا المكان نباتات برية كالنتش واللبيد والقنديل وغيره ويكون هذا المكان بعيداً عن الأشجار (المثمرة) وقريباً على القرية لتقديم الخدمات اللازمة لهم.

ومثل هذه الشروط لا تتوفر إلا في بداية جبل راس مقحار (النتقة) وفي (الجور) في منتصف جبل راس القرينعة أو في (الطبيل) وبعد أن يختاروا الموقع بعناية يبدؤوا بحفر (جورة) واسعة وعميقة في الأرض بأيديهم وبالأدوات التي كانت لديهم وبعد أن يتم حفرها يحضرون حجارة من نوع خاص (حثانية) ويقوم أحد البنائين بإسناد جدران هذه الحفرة بهذه الحجارة حتى تصل سطح الأرض وما أن تكتمل حتى يقوم بعقدها على شكل (قبة) وهذه القبة تنتهي بحجر يتركونه بارزاً ولها فتحة طويلة تحت مستوى سطح الأرض ولهذه الفتحة مدخل لإدخال النتش والحطب من خلالها.

بعد ذلك ينتشروا في الأماكن الغنية بالحطب ويبدؤوا في (قش) النتش واللبيد والقنديل وتكويمه ورصه فوق بعضه بعضاً ويضعون فوقه بعض الحجارة ويسمى عندئذ (كباش) وبعد أن ينتهوا من صنع هذه الكابيش عليهم نقلها إلى الكبارة فيأتي كل واحد منهم بكيس من (الفل) ويلبسه على رأسه ويغطي به ظهره أيضاً كي يحمي به نفسه من الشوك ويحمل معه (دكران) ويغرزه في الكباش ويرفعه فوق رأسه ويسير به إلى الكبارة وهو يردد مع رفاقه أهازيج وأغاني كانت تساعدهم على تحمل مثل هذا العمل الشاق!

ثم بعد ذلك يقومون بإشعال النار في داخل الكبارة وكلما إحترق الحطب الذي بداخلها يقومون بإضافة المزيد من هذا الحطب من خلال الفتحة وتستمر هذه النيران مشتعلة فيها ليلاً نهاراً إلى أن يسقط الحجر الذي في أعلى القبة وهذا مؤشر على نضجها فيوقفوا النيران ويتركوها إلى أن تبرد فتتحول حجارتها إلى شيد ثم يقومون بفتحها وبيع أو توزيع هذا الشيد عليهم بالتساوي!.
الناس الطيبون

قبل أن أحدثكم عن هذا الرجل الطيب الحاج يوسف عمر حماد (أبو إبراهيم) عليّ أن أحدثكم عن طيبة أمه (عائشة) التي كنا نناديها بـ (عمتي عايشة) وما هي بعمتي لكن لكثرة محبتها لنا وكثرة ترددها على بيتنا مصطحبة معها حفيدها (إبراهيم) ظننتها عمتي الحقيقية فكانت رحمها الله الطبيب المعالج لنا في صغرنا فإذا زارتنا في يوم من الأيام ووجدت أحدنا مريضاً سوف لن يهدأ لها بال حتى تربط في رجلها زيق (قطعة من قماش طولها أكثر من عرضها بكثير) وتدور بهذا الزيق وهو مربوط برجلها حول القرية لفة واحدة دون أن تكلم أحداً أو أن يكلمها أحد كي يشفى الواحد منا!.

وفي اليوم التالي تحضر خصيصاً كي تطمئن على مريضها فإذا لم يشف من مرضه كانت تطلب من أمي إبريقاً من التنك وتملؤه بالماء وتبدأ في عملية بحث عن شُبْرُكَة (نبتة برّية شوكية) وقد تطول هذه الرحلة إلى أن تجدها وتقوم بعقد صفقة مع هذه النبتة عندما تقول لها:يا شُبُركة يا شُبركية خُذي الحمّ (الحرارة) عن فلان بن فلانة وهَيْ إلكْ مني هدية!وتسقيها إبريق الماء على أمل أنها ستشفي مريضها وتعود وهي مطمئنة من شفاء ذلك المريض!.

لنعود الآن إلى إبنها الحاج يوسف عمر حماد فقد ورث الطيبة من أمه فلم يكن له أعداء وكان يحب كل الناس والناس تحبه وكان له حكاية مع والدي وموقفاً لا بد لي من ذكره فكان والدي قد بنى بيتاً له في أربعينات القرن الماضي بشق الأنفس ودفع ما فوقه وما تحته وحضر (أبو إبراهيم) يوماً لزيارتنا في هذا البيت وقال لوالدي:عليك يا أبو محمد أن تبني لهذا البيت درجاً كي تستفيد من سطحه!فقال له والدي:ما حصلت إلا تنصلت يا أبو إبراهيم!وعلى الفور فهم أبو إبراهيم ما قاله والدي فأجابه على الفور:أنت يا أبو محمد حجّار إقطع للدرج حجارته وأنا مستعد أن أبنيه لك وعندما أحضر والدي الحجارة الكافية حضر أبو إبراهيم وبنى لنا هذا الدرج لكن مع الأسف الشديد وجدتهم قد أزالوه بعد أن تحول بيتنا إلى (روضة العبود للأطفال) لكنهم لم يتمكنوا من إزالته من الذاكرة لأن العمل الطيب لا يزول!.
ذكريات بلدنا
طيور بلدنا الداجنة
الدجاج

كانت تربية طيور الدجاج البلدية شيئاً أساسياً في حياة كل إمرأة في القرية!فتربية الدجاج كانت لا تحتاج منها إلا إلى مكان ينمن فيه خُم!وكانت هذه الطيور كفيلة بتدبير أكلها بنفسها مما تيسر!ومن كانت تريد أن تدلل دجاجاتها تفوم بفرم القطين الخماري لهن!ومن هذه الطيور كانت المرأة تحصل على اللحم في الوقت التي تريد!وتحصل كذلك على البيض التي كانت تبيعه للباعة المتجولين وتشتري بثمنه الكماليات التي تريدها!وتحصل أيضاً على الزبل من مخلفات هذا الدجاج ليكون سماداً للنباتات التي من حولها.
الحبش

أما طيور الحبش فلم تكن موجودة في قريتنا إلا عند دار إبراهيم الزغلول!وبحكم الجيرة والقرابة كانت هذه الطيور تهاجمنا ونحن أطفال عندما كنا نرتدي زياً لونه أحمر!وكانوا يستفيدون من لحومها فهي أوفر من لحوم الدجاج!وكانوا كذلك يستفيدون من بيضها الذي هو أكبر حجماً من بيض الدجاج!لكنه لا يباع بل تستفيد منه الأسرة فقط!.
الحمام

أما طيور الحمام فكان كل من يبني بيتاً من الحجر يقوم بفتح طاقات في جدرانه لتربية طيور الحمام فيه!وبعد أن يتوفر له السكن يعتمد هذا الحمام على نفسه في تدبير أكله وشربه!وتضع الحمامة بيضتين فقط في السنة الواحدة!وخلال أسابيع قليلة تفقس هاتين البيضتين إلى زغلولين اثنين!وبعد أسابيع يكبرا هذين الزغلولين ويستفاد من لحمهما عند اللزوم!والحمام لا يعيش منفرداً بل على شكل أزواج!.
عن بلدي احكيلي
حيوانات بلدنا الأليفة
الحمير

الحمار هو من أكثر الحيوانات الأليفة التي كانت تستخدم في قريتنا لأسباب عديدة أهمها كثرة الأدوار التي يمكنه القيام بها فهو يستخدم في حراثة الأرض وفي حمل الأحمال الثقيلة ويقاد بسهولة من جميع أفراد الأسرة من خلال حبل يربط برأسه بطريقة معينة يسمى رسن ويستخدم كذلك للركوب بعد أن يوضع على ظهره فرشة مصنوعة من القش تسمى حلس والأهم من ذلك كله أنه رخيص الثمن ويعيش على أكل الحشائش المتوفرة بكثرة في القرية إذا غاب التبن والشعير.
الأحصنة

أما الحصان فيأتي بعد الحمار مباشرة في الأهمية بالنسبة لسكان القرية ويقوم بما يقوم به الحمار بل أكثر فهو يستخدم في حراثة الأرض أيضاً لكنه أسرع وأفضل من الحمار ويستخدم في حمل الأحمال الثقيلة التي لا يستطيع الحمار حملها ويستخدم الحصان كذلك للركوب بعد أن يربط على ظهره سرج ويحتاج الحصان إلى رجل قوي كي يستطيع كبح جماحه بواسطة اللجام الذي يوضع في فمه عند اللزوم وثمنه أعلى من ثمن الحمار.
البغال

البغل يشبه الحصان في الشكل والحجم والأهمية ويقوم بما يقوم به الحصان لكن البغل لا يستخدم إلا في الأعمال الزراعية ولا يستخدم في المناسبات وإن ركبه صاحبه فلا يفتخر أو أو يزهو به كراكب الحصان فالحصان يركبه العريس في يوم زفته ولا يركب الحمار أو البغل أو البغلة وهناك الكثير من الناس الذين لا يعلمون أن البغل أو البغلة ينتج كل منهما من تزاوج حمار وفرس ومن طريف القول أنه يروى عن ديبلوماسية البغل عندما كانوا عيّروه بأبيه الحمار رد عليهم بقوله لكنكم تنسون أن الحصان خالي!.
البقر

البقرة لم تكن منتشرة في قريتنا كغيرها من الحيوانات الأخرى ولم يتعامل معها إلا المرحوم سلامة عبدالحق وكان يستخدمها في حراثة الأرض ومنها كان يستخرج الحليب ومنه بصنع الألبان والأجبان بأنواعها وكان يستفيد من روثها في تسميد الأرض وفي تزبيل الطابون ويستفاد من جلدها في صنع الأحذية فكانوا يبيعون جلودها للمدابغ التي كانت منتشرة في المدن.
الكلاب

أما الكلب فكان استخدامه في القرية قليلاً جداً ولا يقتنيه إلا المضطر فهم ينظرون إليه كمنجس لما يلمسه وعليهم غسله سبع مرات قبل أن يستعملوه وعلى الرغم من ذلك فقد كان يقتنيه كل من يمتلك قطيعاً من الغنم أمثال عبدالله قاسم واشحادة القاسم وأحمد طه فكانوا يعتبرونه حارساً للقطيع أولاً ومنبهاً لأهل البيت إذا قدم عندهم قادم غريب.
البسس

البسة أو القطة كان البعض يقتنيها في بيته ويطعمها ويسقيها ليلعب بها ومعها أهل بيته وخاصة الأطفال منهم ومنهم من كان يعتبرها حارس لبيته من كل الزواحف والحشرات الضارة كالعقرب والحية والفار فهي كفيلة بقتلها جميعاً عند ظهورها ومنهم من كان يعتبرها منافسة له على أكل اللحوم إن تمكنت ومنهم لا يهتم بوجودها وهي بالتالي ستنتقل من بيت إلى آخر حيث تجد رزقها وتتزاوج القطط في شهر شباط من كل سنة وفي هذا الشهر يكثر موائها وتزيد غلبتها .
النعاج

النعجة وجمعها نعجات وكان المرحومان أحمد طه و عبدالله قاسم هما من تخصصا في تربية هذه النعاج ويستفاد من لحم النعجة في المناسبات الخاصة والعامة ويستفاد من حليبها في صنع اللبن واللبنة والجبنة ويستفاد من صوفها في صنع الفرشات واللحف ويستفاد من جلدها في صنع الجاعد للجلوس فوقه والسعن لحمل الماء ويستفاد من روثها في تسميد الأرض وتزبيل الطابون.
الأغنام

الغنمة وجمعها أغنام هي الأكثر شيوعاً في القرية فكانت موجودة عند دار عصفور ودار سليم حماد ودار اشحادة قاسم ودار عبدالقادر عبود ودار حسن أبو خضر ودار محمد قاسم ودار عبدالله قاسم وكانوا يستفيدون من لحمها في المناسبات الخاصة والعامة ومن حليبها في صنع اللبن واللبنة والجبنة ومن جلدها في صنع السعن لحمل الماء ومن روثها في تسميد الأرض وتزبيل الطابون والغنمة أكثر نشاطاً وحركة من النعجة.
الأرانب






