في سنة 1993 كنت قد سكنت في مدينة الزرقاء وكان في الحيّ الذي كنت أسكنه رجل مسكين على باب الله يُسمّى (أيمن) وبرغم أن هذا الشخص لا يؤذي أحداً إلا أن الناس يُصرّون في هذا الحي على تسميته بـ (المجنون) لكنهم كانوا يشفقون عليه في حلّه وترحاله فكانوا إذا مرّوا عنه يُمازحونه تارة بالكلام وتارة باليد ثم يُعطونه ممّا أعطاهم الله وكان أيمن هذا يمشي حافياً ويلبس فقط ثوباً واحداً صيفاً أو شتاءً وكان لا يعتني بلحيته ولا بشعر رأسه فكان إذا رآه من لا يعرفه يخاف ويهرب منه.
وفي أحد الأيام وبينما كنتُ أقف على شرفة بيتنا الذي يقع على جبل عال يُطل على سكة حديد القطار وإذا بأيمن هذا يسير على سكة الحديد المقابلة لي ويضحك ويلعب مع نفسه وفي هذه الأثناء لحق به أعرابيّ يسير في نفس الاتجاه على الطريق نفسه ومعه أغنامه تسير من أمامه وعندما نظر أيمن حوله ووجد الأغنام تحيط به من كل جانب قام بلمس إحداها بحركة عفوية قاصداً مُداعبتها.
وعندما رآه الأعرابيّ يلمس أحد أغنامه جنّ جُنونه وصاح به بأعلى صوته مُشبعاً أبواه وأجداده بأفظع الشتائم القذرة ولم يكتف بذلك بل ركض ورائه مُسرعاً كجلمود صخر حطه السيل من علٍ وعندما شعر أيمن بالخطر أسرع هارباً والأعرابي ورائه يجري مُزمجراً إلى أن استطاع اللحاق به عندها تناول هذا الأعرابي أكبر حجر تستطيع يده اليمنى أن تحمله وأمسك أيمن باليد اليسرى والحجر باليد اليمنى وأخذ يدقّ رأسه بالحجر وأيمن المسكين يتألم لكن أيمن لا يستطيع التعبير عن آلامه فسال دمه ولوّن ثوبه باللون الأحمر لكن الله كما أخذ منه عقله أعطاه القوة في تلك اللحظة ليهرب من هذا الوحش الكاسر الذي ابتليَ به.
لم يكتف هذا الأعرابي بالسب والشتيمة واسالة الدماء بل ترك أغنامه تعيث في الأرض فساداً ولحق به طامعاً في المزيد من الضرب والإهانة لكن أيمن استطاع وبقدرة قادر أن يصل إلى الشارع العام عندها تركه الأعرابي وعاد ليجمع أغنامه فوجدها قد احتجّت على فعلته تلك بأن انتشرت في جميع الاتجاهات وعندما وصل أيمن إلى الشارع العام ودمه يسيل من رأسه بدأ يشعر بالأمان النسبي فكان كل من يراه يسأله عمّا حلّ به باستهجان مُتناسين أنه لا يستطيع الكلام والتعبير عن الألم الذي ألمّ به وفي هذه الأثناء تمكن أحدهم من علاجه من جروحه وقام بلفّ رأسه بقطعة قماش بيضاء ثم داعبه بقوله:إنك بدءاً من هذا اليوم قد أصبحت شيخاً يا أيمن.
منذ أن رأيت هذه الحادثة وأنا أفكر في سلوك هذا الأعرابيّ مع هذا المسكين لكنني لم أجد تفسيراً لفعلته تلك إلا بعد أن استمعت لأغنية السلك الأحمرللمطربة الأردنية أمل شبلي التي يقول أحد مقاطعها:السلك الاحمر لبسه الغوانا والموت الاحمر للي عادانا ويذوق الويل منا وعاسانــا نقلع العين اللي لدت تلانــا ثم استمعت إلى أغنية وينو البيحبك للمطرب السوري سامر كابرو التي يقول أحد مقاطعها:ويـنـو البيحيك ويـنـو في تار بيني وبـيـنـو ولو مرة شفتو قبالي والله لشلو عـيـنـو وبعد أن استمعت إلى مثل هذه الأغاني لم أعد ألوم ذلك الأعرابي إذا اكتفى بدق رأس أيمن بالحجر ولم يقلع احدى عينيه أو أن يشيل العين الأخرى.
مِنْ جُـعْـبَـتي أقـول لـكـم 