
قال: وما زينة الحياة الدنيا التي تطلبها في هذه الأيام؟.
قلت: المال والبنون والباقيات الصالحات والصحة والعلم وكل ما أنتجته التقنية الحديثة من أدوات كانت قد سهلت وتسهل علينا حياتنا.
قال: من أين جئت بالعلم والصحة والتقنية الحديثة؟ فهذه زينة اخترعتها من عندك وهي لم ترد لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ولا حتى في الأقوال المأثورة؟.

قلت: لقد تغيرت الدنيا وتغير كل ما فيها ففي الماضي الذي هو ليس بالبعيد كنا نعيش في البادية أو في الريف وكنا نسكن الخيمة أو غرفة صغيرة من طين فكانت مطالبنا بسيطة وطموحاتنا أبسط وكان يكفي أن يكون المال والبنون وحدهما زينة لحياتنا أما في هذه الأيام بعد أن سكنا المدن وركبنا السيارات والطائرات وتعددت مطالبنا وبعد أن تعودنا على حياة الاستهلاك فلا بد أن تكون الصحة ثالثهم والعلم رابعهم والتقنية خامسهم.

قال: أنت بهذا يا صديقي عندما أضفت أشياء من عندك إلى زينة الحياة الدنيا تكون قد عقّدت وصعبت الأمور أكثر مما ينبغي فكيف لي بعد كل هذا التصعيب أن أجمع كل هذه الأشياء الخمسة التي تطلبها في وقت واحد؟.
قلت: لا تستطيع يا صديقي أن تجمع هذه الأشياء الخمسة (زينة الحياة الدنيا في هذه الأيام) مجتمعة في وقت واحد مهما بلغت من الحنكة والمهارة والذكاء والفطنة ليس لأنها كثيرة العدد بل هي لحكمة كان قد أرادها الله لنا لا نعلمها الله وحده هو الذي يعلمها .

قال: أنسيت يا صديقي أنني أستطيع أن أجمع أربع زوجات في بيت واحد؟ كما وأنني أستطيع أن أجمع صلاتين في وقت واحد؟ فكيف لي أن لا أستطيع جمع هذه الأشياء في وقت واحد؟.
قلت: لأنك يا صديقي لو حصلت على هذه الأشياء (زينة الحياة الدنيا) مجتمعة في وقت واحد فلن تطلب بعدها الدار الآخرة ولن تعمل من أجلها وستكتفي بالدنيا وزينتها.

قال: أي من هذه الأشياء الخمسة برأيك أكثر أهمية من غيرها؟.
قلت: ربنا في كتابه العزيز قدم المال على البنون.
قال: لماذا؟.
قلت: لأن المال في حد ذاته زينة لكل الناس في أي زمان ومكان وزينة المال ليست كغيرها فهي تظهر للعيان فأنت عندما تبني قصراً جميلاً أو تقود سيارة فخمة يرى كل الناس ما كنت قد فعلت قبل أن يروا من هم أولادك.

قال: عندما هاجم العدو الصهيوني الفدائيين الفلسطينيين وهم يقيمون في لبنان في نهاية القرن الماضي سمعت أنا شخصياً المرحوم أبو إياد ـ الرجل الثاني في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح آنذاك ـ يقول: لقد جاءني أغنى أغنياء لبنان يطلب مني مقايضة ما معه من مال ومن عمارات سكنية على شاطئ البحر بربطة من الخبز كي يبقى على قيد الحياة هذا يعني أن المال لا يحفظ الحياة.

قلت: البنون زينة للأهل عندما يوجد المال فقط.
قال: وكيف يكون ذلك؟.
قلت: كانت الأم في الماضي إذا دعت على إبنها العاقّ تطلب من الله أن يُكثر من عياله ويُقلل من ماله.

قال: ولكن البنون يحفظون النوع.
قلت: والمال يحفظ النفس والنفس مُقدمة على النوع.
قال: لكننا في يوم من الأيام سنحتاج إلى أبنائنا.

قلت: الحاجة إلى المال أمسّ من الحاجة للبنين.
قال: وماذا لو رزقت بأحدهما فقط؟.
قلت: إذا رزقت بأولاد فقط وأحسنت تربيتهم واعتبرتهم مشروعك الأول والأخير سيأتوا لك بالمال وإذا رزقت بمال دون أولاد وأحسنت إنفاقه ستجد أن كل الناس قد أصبحوا أولادك.
قال: إني رأيتُ بأمّ عيني بالأمس القريب رجلاً صاحبُ مال وجاه يُدخله أولاده إلى الملجأ.











