دعني من الكويت الآن


 دعـنـي مـن الـكـويـت الآن

94_135480
كيف يذهب طلابكم إلى مدارسهم؟

ثم صمتت برهة من الزمن وقالت:دعني من الكويت الآن بل حدثني أكثر عن حياتكم وأنتم ترزحون تحت نير الاحتلال الصهيوني؟وهل حياتكم الآن تشبه الحياة التي عاشها أهلي في الكويت أيام احتلالها وتحريرها أثناء وبعد حرب الخليج؟ وهل يختلف الإحتلال باختلاف أصحابه؟وهل أخرج اليهود أطفالكم من مدارسهم؟وهل بقيت مدارسكم مفتوحة للتعليم أم أغلق بعضها وحول البعض الآخر إلى معتقلات؟ وهل عندكم شوارع وسيارات؟وهل تأكلون وتشربون وتمشون في الأسواق؟وهل تصلون في المسجد الأقصى؟وهل تبتسمون وتضحكون وتتزوجون؟أريد أن أرى بنفسي ماذا فعل بكم هذا الاحتلال؟.

الكذبة الكبرى

الحنين إلى مسقط الرأس


255131_dreambox-sat.com
وبعد أن شربنا القهوة

وبعد أن هدأت (هبة) قليلاً وبعد أن شربنا القهوة معاً أردت أن أختبر صدق ما كنت قد سمعته (وأنا صغير في السن) بأن الإنسان يُحب مسقط رأسه بغض النظر عن جمال هذا المكان الذي كان قد ولد فيه لا بل يحنّ إليه ويحب زيارته بين الحين والآخر إن لم نقل أنه يحب الإقامة فيه أحياناً لو إستطاع ذلك وقدر عليه فقلت لهبة:ما هو شعورك يا هبة وأنت تدخلين الكويت مسقط رأسك لأول مرة؟.

561362_424530957565414_2105068574_n
الأطلال 

فقالت هبة وهي تتلعثم بلغتها العربية الركيكة:مسقط الرأس يا سيدي هو المكان الذي يحنّ إليه الإنسان إذا ما إمتزج بذكريات وردية جميلة في هذا المكان له ولمن كانوا يعيشون معه وحوله من الناس فحنين العرب لأطلالهم في الماضي لم يكن حباً بهذه الأطلال بل كان حباً للذكريات الجميلة التي كانوا قد قضوها مع الأهل والأحباب والأصدقاء والجيران في هذه الأمكنة أما أنا فكان مسقط رأسي هذا سبباً في شقائي وشقاء كل أهلي وأقاربي ومعارفي وأصدقائي وجيراني وحتى أبناء بلدي.

الكذبة الكبرى

وقد يجمع الله الصديقين بعدما


amman20modern202
حضرت هبة وأمها إلى عمان وسألت عنا 

وبعد تقبل عزاء والدها في دولة الكويت رأت هبة وأمها أن تكمل الرحلة وتحضر إلى عمان لرؤية باقي الأقارب في عمان بعد أن أصبحت تملك إرادتها ولها أن تذهب إلى أي مكان في هذا العالم ترغب في الوصول إليه وذلك بعد أن تخلصت من عبودية وثيقتها المقدسة وعندما حضرت هبة وأمها إلى عمان سألت عنا واستطاعت الوصول إلى بيتنا ووصلتنا في الوقت الذي كنا نحضر فيه أنفسنا لزيارة فلسطين وعندما علمت هبة بذلك لم تصدق نفسها فكانت كطفل فقد أمه وسمع بوجودها فجأة لكن في مكان بعيد.

الكذبة الكبرى

وعادت ذاكرة الأم إلى الوراء


1335086292
الحدود بين الجزائر والمغرب والحدود بين هولندا وبلجيكا

وفي أثناء تلك الرحلة وقبل أن تحط الطائرة على أرض مطار الكويت عادت الأم بذاكرتها إلى الوراء سنين ليست كثيرة عندما كانت فلسطينية الوثيقة وتخيلت نفسها وهي تمسك بوثيقتها المباركة وتطلب من حراس الحدود العربية الدخول إلى أراضيهم لزيارة الأقارب والأصدقاء وبسرعة طردت لا بل طاردت هذه الأفكار من مخيلتها وهي تخاطب نفسها وتقول: جزى الله أستراليا والأستراليين خيراً على ما فعلوه معي ومع غيري من المظلومين فقد أرجعوا لي هويتي الفلسطينية بعد أن سحبها مني العرب وأعطوني بدلاً منها وثيقة لا يعترف بها أحد حتى من أصدرها.

الكذبة الكبرى

وفتحت كل الحدود التي كانت مغلقة


img_2122
فتحت لها الحدود المغلقة بما في ذلك الكويت وفلسطين

وبعد أن إنتهت حرب الخليج وتحررت الكويت على يد قوات التحالف أصبح وجودنا كفلسطينيين غير مرغوب به في الكويت فغادرنا إلى عمان وتركناهم في الكويت وتودعنا من غير أمل في لقاء لكنهم بعد أن حصلوا على الجواز الأسترالي وتخلصوا من وثيقتهم المقدسة امتلكوا حريتهم وإنسانيتهم وفتحت لهم كل الحدود العربية التي كانت مغلقة في وجوههم بما في ذلك الكويت وفلسطين وعندما توفي جد هبة لأمها المقيم في الكويت قررت الأم أن تذهب إلى هناك كي تشارك في تشييع جنازة والدها وعلى الفور ركبت الطائرة وأخذت هبة معها إلى أن حطت بها في مطار الكويت وهناك أعطيت الفيزا مباشرة دون سؤال وجواب لأن جواز سفرها غير عربي. 

الكذبة الكبرى

وهاجرت هبة مع أهلها إلى أستراليا


untitled20
جواز سفر أسترالي 

وسافرت هبة مع أهلها إلى أستراليا مهاجرة دون أن تعي سبباً لهجرتها تلك وعندما كبرت هبة في بلاد الغربة سألت من هم حولها: ماذا نحن هنا في آخر أرجاء هذه المعمورة مع أننا عرب أقحاح ومن بلد الإمام الشافعي أحد أئمة المسلمين الأربعة؟ فأجابها والدها: لسنا أول من ضاقت بهم بلادهم يا بنيتي ولن نكون آخرهم فالله طالب المظلومين والمضطهدين بالهجرة بل عاتبهم إذا استكانوا للظلم ولم يهاجروا حين قال في كتابه العزيز: ألم تكن أرض الله واسعة؟ هذا أولاً أما ثانياً ألم يهاجر صحابة الرسول العربي إلى الحبشة حيث وجدوا الدعم والمساندة كما وجدنا نحن من أستراليا المال والسكن بعد أن علمونا لغتهم وثقافتهم والأفضل من ذلك كله فقد أعطونا الجنسية الأسترالية وحررونا من وثيقتنا الغرّاء ولم يحشرونا في مخيمات كما فعل إخواننا العرب معنا. 

الكذبة الكبرى

لكن المعتصم الأسترالي سمع صراخهم


1327903741
لكن المعتصم الأسترالي سمع صراخهم

وما أن سمعت حكومة أستراليا صراخهم رغم بعدها الجغرافي والتاريخي والديني عنهم حتى أسرعت لاستغاثتهم!وعلى الفور أوعزت لسفيرها في اليونان بالتدخل لإنقاذ أهل الوثيقة الفلسطينية (المحاصرين) في الكويت وقام هذا السفير من اليونان بتوجيه دعوة رسمية إلى إلى كل من يستطيع منهم الحضور لمقابلته لكن حكومة الكويت لم تسمح لأحد منهم بالمغادرة لتلبية دعوة السفير فجاء بنفسه إليهم وأخذ طلباتهم ووعدهم خيراً وبعد بضعة أيام وصلت الموافقة على إستضافتهم في أستراليا لضرورات إنسانية وهنا لا يسعني إلا أن أقول: ما أعظم هذه الكلمات عندما تخرج من أفواه الكفار وتغيب عن أفواه الذين يحاولون أن يقنعونا ليل نهار بأنهم خير أمة أخرجت للناس وبأنهم أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.

الكذبة الكبرى

ولم يسمع المعتصم العربي صراخهم


imagesca2lzrur
ولم يسمع المعتصم العربي صراخهم

وعندما تأكدت حكومة الكويت في ذلك الوقت من أن أهل الوثيقة الفلسطينية باقون على أرضها أخذوا يتفننون في عذابهم والتنكيل بهم فمنعوهم من حق العمل وأهانوهم على الحواجز التي انتشرت على أرض الكويت وجعلوا حياتهم جحيماً لا تطاق وحملوهم وزر ما حصل لهم ولكويتهم من احتلال ولم ينفعهم حبهم ودفاعهم عن الكويت ولو نظرياً ولم تشفع لهم خدمتهم الطويلة في مهنة الرسل والأنبياء فأصبحوا يفضلون الجلوس في بيوتهم على الخروج منها لقضاء ما تبقى لهم من أهداف بعد أن اختصروها لهم بهدف واحد وهو حب البقاء على قيد الحياة لا أكثر ولا أقل حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا وأصبح البيت بالنسبة لهم هو المكان الوحيد الذي يحفظ عليهم كرامتهم وحياتهم وإنسانيتهم وبدؤوا يستغيثون ويصيحون عسى أن يسمعهم معتصم عربي لكن المعتصم العربي كان قد أغلق أذنيه كي لا يسمع استغاثتهم.

الكذبة الكبرى

وجدت هبة نفسها تحمل الوثيقة الفلسطينية


imagesca2qtsps
وكانت أم هبة لا تحب الكويت فحسب بل تتعصب لها 

وفي سبعينات القرن الماضي كنت قد تزاملت مع والدها في إحدى المدارس الثانوية في الكويت فأصبحنا أصدقاء لكن ما كان يحيرني في ذلك الوقت هو حب أمها للكويت فهي لا تحب الكويت فقط بل تتعصب لها حتى أننا كنا نلحق إسمها بآل الصباح عندما كنا نريد مخاطبتها وكانت تدافع عن نفسها وتقول: أعذروني إن كنت قد تعصبت للكويت فأنا ولدت وعشت وتعلمت وعملت وتزوجت وأنجبت البنات والبنين في الكويت ولم أغادرها إلى أي بلد آخر.

gallery_1238183406
منعوا حملة الوثائق من المغادرة لعدم وجود بلد يستضيفهم

أما ابنتها هبة فقد كانت قد ولدت في الكويت أيضاً قبل حرب الخليج بسنة واحدة وبعد حرب الخليج مباشرة خرج غير الكويتيين من الكويت إلى بلادهم طوعاً أو قسراً إلا من يحمل الوثيقة الفلسطينية فمنعوا من مغادرتها لا لسواد أعينهم ولا كرماً من الكويتيين وإنما لعدم وجود بلد عربي يقيمون فيه أو حتى يستضيفهم بشكل مؤقت حتى وصل بهم الأمر أن البلد الذي كان قد أصدر لهم وثيقتهم الغراء أقفل حدوده في وجوههم وهكذا وجدت هبة نفسها تحمل الوثيقة الفلسطينية المباركة ومسجونة بها في الكويت.

الكذبة الكبرى

هــبـة


www_4photos_net_1142867563
فراشة إنعكس عليها ضوء القمر في ليلة صيف

هـبـة طالبة جامعية فلسطينية الأصل تدرس العلوم السياسية في إحدى جامعات أستراليا وكانت قد ورثت الوثيقة الفلسطينية عن والدها الذي كان قد ورثها هو الآخر عن والده الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها يعيش في قطاع غزة بدلاً من أن يعيش في بلده (بربرة) وهي لا تجيد اللغة العربية لكنها تحاول فتبدو كفراشة إنعكس عليها ضوء القمر في ليلة صيف أو كنحلة تبحث عن رحيق الأزهار لتصنع منه العسل فهي لا تكتفي بسماع من يتكلم معها بل تجدها مشغولة في مراقبة شفاه المتكلمين وحركاتهم بعيون سوداء واسعة تتسع لكل ما حولها. 

الكذبة الكبرى