هبة في سلفيت


dsc01406
بيتنا في سلفيت

وما أن وصلنا إلى بيتنا في سلفيت حتى أخذت هبة تقبل كل من كان في إستقبالنا وكأنها تعرفهم منذ زمن طويل وخيل إلي بأن بيتنا كذلك يهم بتقبيلها لكنها لم تنتظره بل دارت حوله دورة كاملة فوجدت نبات الفول في استقبالها لكن حبات اللوز الأخضر سبقته إلى فمها واحتجت شجرة ليمون وقالت:أنا أولى من الفول واللوز في الأكل لأنني لا أجد من يأكلني فثماري تسقط أرضاً وهمت هبة بقطف حبة ليمون عن تلك الشجرة فرأت ثمار شجرة البوملي وهي تتدلى كمشكاة صفراء فقطفتها لا لتأكلها بل لتنظر إليها. 

الكذبة الكبرى

في فلسطين تغلب الكف على المخرز


7280e982b988a54676c412981f092548_249216
مستوطناتهم

وأدار السائق وحهه نحو (هبة) وأكمل كلامه قائلاً:هذه يسمبها اليهود (مستوطنة) أما نحن نسميها (مغتصبة إسرائيلية) يا بنيتي!وهذه ليست قرية فلسطينية!فنحن لا نُسيّج قرانا!فقرانا مفتوحة للجميع!وترحب بجميع الزائرين!لكن مستوطناتهم مغلقة!ومحاطة بالأسلاك الشائكة المكهربة!لأنهم أكلوا (الفريسة) وبقيت عظامها في بطونهم!فمن أجل هذا لا يعرفون للنوم طعماً!لأن المريب يكاد يقول خذوني!.

130326071619962
نحن نطالب المجتمع الدولي من خلالك يا بنيتي أن يكون حالنا كحال الهنود الحمر في أمريكا!

ثم تابع السائق كلامه مع هبة بشئ من الجدية والغضب وقال لها:بما أنك درست وتدرسين السياسة في أستراليا!هل سمعت أو قرأت يا بنيتي عن شعب سُرقت منه أرضه؟وشُرد عن وطنه؟وعن عدو يُسيج ما سرق أمام أعين المجتمع الدولي!ويمنع السكان الأصليين من دخول أرضهم؟نحن نطالب يا بنيتي أن يكون حالنا كحال (الهنود الحمر) في أستراليا أو أمريكا!بلغي أساتذتك يا بنيتي أنه عار عليهم إذا لم يُدرّسوا في جامعاتهم:كيف تغلب الكف على المخرز في فلسطين؟.

الكذبة الكبرى

يا بادل السخلة بنخلة


untitled23
مستوطنة يهودية

وعندما اقتربنا أكثر وإذْ بمستوطنة يهودية على رأس جبل تطل علينا من بعيد وعندما رأتها هبة حسبتها قرية من قرى فلسطين فصورتها لكن ما لفت إنتباهها أكثر الجدار والأسلاك الشائكة المحيطة بها فتساءلت في الحال: لم هذا السياج؟ وأكملت: إنه يذكرني بالسجون النازية التي كنت قد قرأت عنها في كتب التاريخ فتدخل السائق عندما سمعها لا تتقن اللغة العربية وتسأل عن أشياء إن تبد لها تسؤها فسألني في الحال عن جنسيتها فقلت له: شابة فلسطينية تدرس العلوم السياسية في أستراليا كانت تحمل الوثيقة الفلسطينية المصرية والآن تحمل جواز سفر أسترالي فضحك وبدون أن يفكر قال: يا بادل السخلة بنخلة.

الكذبة الكبرى

وتغير المنظر مرتين في أقل من ساعة


 وتـغـيـر الـمـنـظـر مـرتـيـن فـي أقـل مـن سـاعـة

BenQ Corporation
جبال جرداء ليس فيها حياة

فجأة بدأ المنظر يتغير بعد أن غادرنا حاجز السلطة الفلسطينية وبدأت تطل علينا جبال شاهقة في الإرتفاع يتخللها وديان وشعاب كثيرة ليس فيها حياة لكنها تبدو من بعيد كلوحة فنية أبدعها الخالق وزرعها لنا في فلسطين وانشغلت هبة في تصوير هذه الجبال دون أن تشعر بوعورة الطريق وتعرجاتها المخيفة فحمدت الله على ذلك!

dsc03866
جبال مكسوة بالنباتات الخضراء

وما أن إنتهت تعوجات هذه الطريق  الحادة حتى بدأ المنظر يتغير ثانية ولكن هذه المرة إلى جبال خضراء مكسوة بالنباتات والأعشاب والأشجار البرية التي خص الله بها هذه البلاد دون غيرها ففيها النتش واللّبيد والقنديل والسّويد والقبّار والحمحم والسّنام والبلّوط والطيّون والزعرور والقيقب.

الكذبة الكبرى

وأخذت هبة تصور كل شيء في مدينة أريحا


????????????????

وما هي إلا دقائق معدودة حتى خرجنا من المعابر الفلسطينية إلى إستراحة أريحا ومن هناك إتجهنا إلى مواقف السيارات نريد الذهاب إلى مدينة سلفيت واندهشت هبة أكثر عندما رأت حتى حاملي الأمتعة وهم يرحبون بها والباعة وهم يعرضون عليها بضاعتهم مرحبين بقدومها والسائقين الذين يسألونها عن المكان الذي ستذهب له عارضين عليها خدماتهم ومن هناك ركبنا السيارة المتجه إلى مدينة سلفيت بعد أن اشترطت علينا هبة أن تجلس بجانب السائق كي ترى من المناظر الطبيعية أكثر ما يمكن رؤيته وعندما اخترقت السيارة التي تقلنا مدينة أريحا بدأت هبة في تصوير كل شيء تراه عيناها فصورت النخيل والبرتقال والموز والشارع والسوق والناس والطريق والجبال والوديان والأشجار وما هي إلا دقائق معدودة حتى وجدنا أنفسنا أمام حاجز لقوات الأمن الوطني الفلسطيني فرحبوا بنا وأكملنا المسير.

الكذبة الكبرى

أهلا وسهلا بك في بلدك فلسطين


222
الشرطة الفلسطينية والعلم الفلسطيني

ومن هناك ركبنا الباص إلى مدينة أريحا وقبل أن تكمل هبة حديثها عن اليهود ومعاملتهم لها وجدت نفسها في المعابر الفلسطينية وعندما رأت العلم الفلسطيني يرفرف في مدينة أريحا بدأت في تصويره وهي تبكي وتقول: وأخيراً رأيت علم بلادي وهو يرفرف على أرض الواقع وعندما نزلت من الباص في إستراحة أريحا وإستقبلتها الشرطة الفلسطينية قائلين لها: الحمد لله على سلامتك أهلاً وسهلاً بك في وطنك فلسطين فلم تتمالك نفسها وأخذت تصورهم واحداً واحداً وتقول: أنا لست مصدقاً لنفسي أنني الآن أعيش في بلدي فلسطين.  

الكذبة الكبرى

بناتهم يختلفن عن كل بنات العالم


thumb
بناتهم يختلفن عن كل بنات العالم!

عندما رأيت هبة بعد خروجنا من نقطة العبور الإسرائيلية سألتها عن معاملة اليهود لها بعد أن إفترقنا فقالت:في كل مراكز الحدود في هذا العالم الواسع يبتسمون للقادم إليهم إلا هنا فهم يبتسمون لبعضهم البعض!وما لفت إنتباهي أكثر من غيره هو أن بناتهم يختلفن عن كل بنات العالم!فمنهن من تحمل الرشاش على كتفها بدل أن تحمل وردة بيدها!ومنهن من ألغين أنوثتهن فلا شعر منفوش ولا مكياج ولا أزياء ولا عطور ولا حتى قلباً حنوناً!فالكل كان يرمقني بنظرات الحقد والكراهية التي لم أر مثلها في حياتي من قبل!فإذا كان هذا حال بناتهم فكيف سيكون حال شبابهم؟. 

الكذبة الكبرى

وحملتنا السيارة إلى جسر العودة


11012524-happy-little-girl-holding-a-red-balloon
ما أحلى تحقيق الأحلام التي قد تبدو مستحيلة

حملتنا سيارة من سيارات الجسر، أنا وزوجتي وهبة وأمها إلى جسر العودة (مستقبلاً)، وجسر الملك حسين (حالياً)، وكانت هبة ترقص وتغني وتقول لكل من تقابله: وأخيراً سيتحقق حلمي الذي حلمت به طويلاً، حتى أنني ظننته في يوم من الأيام، أنه لن يتحقق، ما أحلى تحقيق الأحلام التي كانت تبدو وكأنها مستحيلة، والناس من حولها مندهشون فيما يرون ويسمعون، فهم لا يعرفون هبة، ولا يعلمون عنها شيئاً، ولا يفهمون ما تقوله لهم، وبقينا سوياً، إلى أن وصلنا نقطة العبور الإسرائيلية الرئيسة عندها افترقنا، فأنا وزوجتي من المواطنين، وهبة وأمها من الزوار.

images1
نقطة التفتيش الرئيسة

والتقينا ثانية مع هبة وأمها، بعد أن خرجنا من نقطة التفتيش الإسرائيلية الرئيسة، فهناك تتوحد المسارات للزوار والمواطنين، أما ما قبل هذه المحطة فتختلف نظرة اليهود لكل من القادمين، فنظرتهم إلى المواطنين، ليست كنظرتهم إلى الزوار، فالزوار مرحب بهم، ولكن على مضض، وأما المواطنون فيعتبرونهم شوكة في حلوقهم، ويتمنون لو أنهم يستطيعون الخلاص منهم في المدى المنظور.

الكذبة الكبرى

وعادت الأم بذاكرتها إلى الوثيقة مرة أخرى


images
كان دخولها إلى فلسطين من سابع المستحيلات

وقبل أن توافق الأم على مرافقتنا في رحلتنا هذه إلى فلسطين صمتت قليلا وعادت بذاكرتها إلى الأيام التي كنا قد عشناها معاً في الكويت عندما كان دخولها إلى فلسطين بوثيقتها الفلسطينية من سابع المستحيلات وفجأة قطعت الأم صمتها ووافقت على مرافقتنا بعد أن أثنت على أستراليا التي حولت الحلم إلى حقيقة وتذكرتُ في الحال الفلسطينيين المقيمين في مخيماتهم حتى الآن وهم يصارعون من أجل الحصول على لقمة العيش وتذكرتُ كذلك الفلسطينين الممنوعين من مزاولة حق العمل المقدس ولا يملكون إرادتهم لأن وثيقتهم صالحة فقط للوصول بهم إلى المقابر.

untitled37
وتذكرتُ في الحال الفلسطينيين المقيمين في مخيماتهم 

وفي الحال قارنتهم بهبة وأمها فهبة عندما حصلت على حقوقها كإنسانة تذكرت فلسطين وأهلها وطالبت بزيارتها وبهذا تكون هبة قد أسقطت الكذبة العربية الصغرى التي تقول بأن العيش في المخيمات هو الذي يحبب الفلسطينيين بفلسطين وأسقطت معها كذلك الكذبة العربية الكبرى والتي تقول عدم منح الجنسية للفلسطينيين هو لصالحهم ولصالح قضيتهم.

الكذبة الكبرى

أريد أن أذهب معهم إلى فلسطين يا ماما


au_passport
لم تفكر الأم يوماً أنها تستطيع زيارة فلسطين بوثيقتها 

وقبل أن تسمع هبة الجواب مني أدارت وجهها صوب أمها وقالت بشئ من الدلال لها: أريد أن أذهب معهم إلى فلسطين يا ماما فوجئت الأم بما قالته لها ابنتها لأنها لم تكن تفكر يوماً من الأيام أنها تستطيع زيارتنا في فلسطين وهي تحمل وثيقتها المقدسة التي كانت تلازمها عندما تعرفنا على بعضنا البعض في الكويت ونسيت نفسها أنها تحمل الآن في حقيبتها خاتم سيدنا سليمان الأسترالي الذي يفتح لها كل الأبواب التي كانت مغلقة في وجهها فترددت الأم قليلاً وأصرت هبة أن تذهب معنا إلى فلسطين حتى ولو كانت بمفردها ودون مصاحبة أمها.

untitled21
اتصلت بوالدها في أستراليا تبلغه أنها ستدخل فلسطين 

فما كان من الأم إلا أن رضخت إلى طلب ابنتها هبة بعد أن اقتعنت بالفكرة رغم وجود شئ من المخاطرة في هذه الرحلة فهذه الرحلة المستجدة لم تكن ضمن أجندتها عندما بدأتها من أستراليا زد على ذلك أنها لا تعرف أحداً في الضفة الغربية بل كل معرفتها كانت مقتصرة على قطاع غزة لكنها كانت ولا زالت تعتبر فلسطين كلها بلدها وجهزت هبة نفسها هي وأمها واتصلت بوالدها وإخوتها في أستراليا تبلغهم أنها ستدخل فلسطين قبلهم بعد أن جعلت أستراليا (جزاها الله خيراً) حلمها حقيقة.

الكذبة الكبرى