رقص اليهود في عمان ولطم الشيعة في دمشق


بالفيديو، رقص اسرائيليين بمطار عمان يثير غضب الاردنيين
اليهود وهم يرقصون في مطار الملكة علياء الدولي

عندما رأيت اليهود المتدينين على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يرقصون في مطار الملكة علياء الدولي في مدينة عمان تذكرت على الفور ما كنت قد رأيته بأم عيني من لطم الشيعة في سوق الحميدية في مدينة دمشق، عندما كنت في زيارة لها بداية سنة 2011 للتسوق والتمتع بعبق الماضي العربي العريق. ما أن وصلتها حتى وجدت نفسي في أعرق مكان للتسوق فيها وهو سوق الحميدية، وبعد أن تسوقت أردت تناول وجبة الغداء في مطاعم جدودنا حول جامع بني أمية العريق.

imagesEBHNIL2Q
الشيعة وهم يلطمون في سوق الحميدية في دمشق

وقبل أن أصل هذه المطاعم لحقت بي مظاهرة إيرانية شيعية متجهة إلى الجامع الأموي، وهم يلطمون عراة الصدور لكنهم كانوا فرحين مسرورين فقد تحقق لهم ما لم يكونوا يحلمون به في يوم من الأيام. وعندما رأيتهم مِلْتُ على من كان يرافقني وقلت له: ربنا يستر، فسألني عن السبب فقلت له: إن ما يفعله هؤلاء الشيعة الإيرانيون يمس كرامة الشعب العربي السوري كله، وفي عقر دارهم، والشعوب تسامح الحكام بكل شيء إلا الدوس على كرامتها. وما هي إلا بضعة شهور حتى اندلعت المظاهرات في كل سوريا وحدث ما حدث.

الدنيا حكايات

وراء كل بنت مشكلة حتى لو كانت بنت ديناري


10712836_342854785884640_2268278368163964661_n
المدرسة التي كنت قد درست فيها

كنت في الصف الرابع الإبتدائي في مدرسة خربة قيس الإبتدائية  سنة 1960 وكان يدرسنا في ذلك الوقت الأستاذ المرحوم (ماجد الجيعان) من بلدة بلاطة التي تقع بالقرب من مدينة نابلس وكان يسكن في بيتنا في ذلك الوقت وعندما شارفت السنة الدراسية على الإنتهاء طلب مني أستاذي كتابي المدرسي كي يضع منه إمتحان آخر السنة للطلاب وكنت أحتفظ بكتبي في كرتونة دون ترتيب أو نظام وفي الحال ذهبت إلى هذه الكرتونة وبحثت له عن الكتاب المطلوب وأعطيته إياه دون أن أفتحه أو أعرف ما بداخله وشكرني الأستاذ وغادرت غرفته في الحال.

untitled
بنت الديناري 

وعندما فتح الأستاذ الكتاب وجد فيه ورقة شدة وكانت (بنت الديناري) وبعد أن إنتهى الأستاذ من وضع أسئلته إستدعاني ليعطيني كتابي وإذا به يحمل في يده اليمنى عصاه وفي يده اليسرى بنت الديناري ويلوح لي بها ولما إقتربت منه أكثر وإذا به يقول لي:من أين لك هذا الكرت؟هذا يعني أنك تلعب (الشدة) في غيابي ولم يعطني مجالا للرد عليه بل تابع كلامه قائلاً:إفتح يديك الإثنتين معاً وضربني بعصاه أربع ضربات متتالية جعلتني أعتقد بيني وبين نفسي أن وراء كل بنت مشكلة حتى لو كانت بنت ديناري وجعلتني هذه البنت أبتعد عن لعب الشدة حتى يومنا هذا رحم الله أساتذتنا فقد كانوا مربين قيل أن يكونوا مدرسين.

ذكريات في بلدنا

هذا ما حدث في الحرم الجامعي


1538430_363797200450580_999033134_a
كان عليها أن تحمل في يدها شمسية في الأيام الماطرة 

هبة، طالبة في إحدى كليات الجامعة الأردنية في مدينة عمان، تسكن بالقرب من المدخل الشمالي ويفصل هذه الجامعة عن سكنها شارع فقط، فهي لم تعاني مثل غيرها من الطلاب من (الشحططة) في الباصات العامة، ولم تعاني من الانتظار الممل في مواقف السرفيس، ولم تجرب مطاردة التكاسي الصفراء كي تصيد إحداها. لكنها بالمقابل كان عليها أن تحمل في يدها شمسية في الأيام الماطرة كي تحميها من حبات المطر في رحلة الذهاب والإياب إلى الجامعة.

580px-parts_of_an_umbrella
وبقيت تحمل في يدها عصا الشمسية فقط 

وفي أحد هذه الأيام الماطرة هبّت عاصفة هوائية خلعت أسلاك الشمسية مع القماش الذي تحمله فوقها وطارت مع الهواء دون أن تشعر، وبقيت تحمل في يدها عصا الشمسية فقط وهي ترفعها للأعلى واجتازت بها الحرم الجامعي كله، وما أن وصلت إلى بيتها وأغلقت شمسيتها لتدخل من الباب وإذا بالشمسية عصا فقط! عندها دخلت في نوبة من البكاء وعندما سألتها أمها عن سبب بكائها قالت: تصوري يا ماما منظري في الحرم الجامعي وأنا رافعة هذه العصا إلى أعلى لتقيني من حبات المطر. أكيد كل من رآني على هذه الصورة ضحك عليّ واتهمني في عقلي.

الدنيا حكايات

اسأل مجرب ولا تسأل طبيب


imagesPKJNMU05
اللبنة التي كان يصنعها هذا اللداوي

في نهاية خمسينات القرن الماضي لم يكن بيع اللبن واللبنة شائعاً كما هو في هذه الأيام وكانت وكالة الغوث توزع الحليب الناشف على مستحقيه من اللاجئين الفلسطينيين فالتقطها شخص منهم وقام بتصنيع اللبن واللبنة من هذا الحليب الناشف وكان يضع ما يصنعه في وعاء معدني واسع الباب وبداخله مغرفة ويحمله في خرج يضعه فوق حماره ويطوف به في القرى لبيعه!وأصبح هذا الشخص معروفاً لدى أهل قريتنا باسم (اللداوي) لأنه كان يرتدي السروال الأسود والقميص وطاقية من الصوف مصنوعة يدوياً وهذا هو لباس أهل اللد في الماضي.

5f7a40df597e57f2bafbd965d421827f
ذبابة البحر الأبيض المتوسط

وكانت قد إستوطنت في قريتنا (ذبابة البحر الأبيض المتوسط) التي لم نكن نميزها عن غيرها من الذباب وأخذت هذه الذبابة تختار الشخص الذي يعجبها من أهل القرية لتلسعه وبعد أن تلسعه تترك مكانها (حبة) تزول مع الزمن لكنها تترك مكانها ندبة دائمة إلى الأبد ونادراً ما كان يفلت من هذه الذبابة أحد من الجيل السابق وفي أحد الأيام إختارتني هذه الذبابة ولسعتني في أعلى خدي الأيمن وتركت مكانها حبة وبدأت  هذه الحبة تكبر حتى كادت أن تقترب من عيني وأصبحت علامة في وجهي تميزني عن غيري من الأولاد لكنها لم تكن تؤلمني ولم أكن أشكو منها فنسيتها وعاشت معي سنين دون أن يكون لها علاج في ذلك الوقت. 

DM86IPCu42V0uRPQZcSoPCpGBAcJ9OHCjndWS5Mby_tb9XNOxceTWA==
الودعة المطلوبة

وبقيت على هذا الحال إلى أن حضر هذا اللداوي بائع اللبن ووضع رحاله على البيادر فتجمعنا نحن الأولاد من حوله وعندما رآني قال لي: تعال يا ولد ما هذه الحبة التي في وجهك؟ فقلت له: لا أعرف فقال: إذهب إلى أمك واطلب منها أن تضع لك (ودعة) في صحن وتعصر فوقها حبة ليمون وتضع هذا الصحن خارج البيت ليلاً ومع (الندى) تذوب هذه الودعة وتصبح كاللبن الرائب هذا(وأشار بيده إلى ما يعرضه من لبن للبيع) ومن ثم تقوم أمك بدهن هذه الحبة ثلاث مرات في اليوم وستشفى بإذن الله.

scan10534
الندبة التي تركتها هذه الذبابة اللعينة في خدي الأيمن

شكرت الرجل وذهبت إلى أمي في الحال وقلت لها ما قاله لي بائع اللبن فقالت: هذه شغلة بسيطة ونفذت الوصفة بحذافيرها وفي صباح اليوم التالي أحضرت والدتي الصحن وإذا بالودعة قد ذابت وأصبحت كاللبن الرائب فعلاً كما قال الرجل وأحضرت (ريشة) دجاج من حولها وغمستها في الصحن ومررتها على هذه الحبة وفي اليوم التالي تقلصت هذه الحبة إلى النصف وفي اليوم الذي تلاه كان وجهي نظيفاً منها لكنها تركت ندبة أبدية في مكانها ومع هذا لا يسعني في هذه الأيام إلا أن أترحم على بائع اللبن هذا وأدعو الله أن يجعلها في ميزان حسناته ولو أنها جاءت متأخرة.

ذكريات في بلدنا

يوم أن استبدلت حرف الدال بحرف التاء


images
مدرسة سلفيت الثانوية

في بداية ستينات القرن الماضي أقرت وزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية تدريس مادة التربية العسكرية في جميع مدارسها، وكنت يومها في الصف السابع وقامت الوزارة إثر هذا القرار بتعيين عسكري في كل مدرسة ثانوية كي يدرب الطلاب فيها على بعض العلوم العسكرية. كان من نصيب مدرسة سلفيت الثانوية التي كنت أدرس فيها في ذلك الوقت الشاويش أبو مناور وكان هذا الشاويش من سكان البادية ولهجته المحكية تختلف عن لهجتنا فلم نكن نفهم كل ما كان يقوله لنا في العلوم العسكرية.

5fLX25fLX25flx25flx2

وبعد أن احتك هذا الشاويش بالمدرسين تعلم منهم (سر) الصنعة فالأستاذ إذا تعب من التدريس أو لا يريد أن يدرس في ذلك اليوم كان يُخرج طالباً على اللوح ليحل محله، فكان هذا الشاويش يخرجنا إلى الملعب وبدل أن يدربنا بنفسه كان يختار طالباً منا لينوب عنه في التدريب، ويجلس هو على حافة البئر الموجود في ساحة المدرسة يراقب ما كان يحدث.

untitled5
داهية بدلاً من تهيئة 

وفي أحد الأيام اختارني لأكون أنا من يدرب الطلاب في ذلك اليوم فوقفت حائراً أمام الطابور لا أدري ماذا أفعل أو أقول، وعلى الفور قررت أن أعيد نفس الكلمات والجمل التي كنت أسمعها من هذا الشاويش أبو مناور دون أن أفهم معناها، وكان من جملة هذه الكلمات: استعد … استرح … داهية … راحات … وما أن سمع الشاويش أبو مناور كلمة (داهية) حتى جاء إلينا مسرعاً وقال لي: أعد الكلمة الأخيرة التي قلتها وأعدتها أمامه وأمام الطلبة وقلت: داهية فقال لي: داهية توخذك إن شاء الله، عليك أن تلف الملعب خمس مرات عقاباً لك على ما قلت ولفّيت الملعب والطلبة عليّ يضحكون، أما أنا فلم أكن أعرف أين أخطأت. وفي نهاية الحصة أفهمني زميلي بأني كنت قد أبدلت حرف التاء بحرف الدال فالأصل أن أقول  “تاااااهية” بدلاً من “داهية”.

الدنيا حكايات

المسبحة


imagesSS2OHM6Y
يحمل بيده مسبحة 

تذكرت صديقاً قديماً لي يقيم في إحدى القرى المجاورة لقريتنا فشددت الرحال في الحال إلى هذه القرية، وبعد أن وصلت سألت عنه فوجدت من يدلني إلى بيته، وما أن رآني حتى تعرف عليّ بصعوبة بعد هذا الغياب الطويل لكنه بعد أن شحذ ذاكرته جيداً زاد من ترحيبه لي. وقبل أن يُدخلني منزله تذكر بقية الزملاء وأخذ يسأل عنهم واحداً بعد الآخر، بينما نحن في طريقنا إلى مجلسه، وهناك عرّفني على والده العجوز وأخوين له. كان الأخ الأكبر يرتدي ثوباً عربياً وتملأُ وجهه لحية لم يهذّبها في حياته قط، ويحمل مسبحة ينقلها بين الحين والآخر من يده اليمنى إلى يده اليسرى، وعندما يتكلم يضع مسبحته في كفه اليسرى ويضغط عليها بكفه وأصابعه ويحرك يده اليمنى في أي اتجاه حسب حالته النفسية التي يضع نفسه فيها أثناء الحوار.

images6
وجلسنا نشرب القهوة 

أما الأخ الأصغر فكان من شباب هذه الأيام: حليق الرأس يرتدي بنطالاً من الجينز، ويلوح بين فترة وأخرى بمفاتيح سيارته وكأنه يود الانصراف، لكنه جلس معنا على استحياء. وبعد أن تعارفنا جلسنا نحن الخمسة نشرب القهوة فسألت صديقي عن حاله بعد هذا الغياب الطويل فقال: لا زلنا بانتظار شخص آخر يخرج من رحم هذا الشعب ليكمل المسيرة التي بدأها أبو عمار ويرفع عنا نير الاحتلال.

10547615_10152508393733972_4978682515540717051_n
الوجود في فلسطين مقاومة

فرد عليه أخوه الحليق قائلاً: غلاّبة يا فتح يا ثورتنا غلابة، غلابة اليد التي تفجر دبابة. فقاطعه صديقي قبل أن يكمل كلامه مصححاً: بل قل غلابة اليد التي ترسل إلى فلسطين ولو حمامة، فالحمامة داخل فلسطين تبني عشها في أعالي الأشجار وتنزل على الأرض تبحث عن أكلها فإن لم تجده تطير وتبحث عنه لكنها ستعود يوماً ما ولو بعد حين.

imagesCAIK78RJ
لا أقبل إلا بفلسطين التاريخية من البحر إلى النهر 

فهذا صديقي الذي يجلس معكم، وأشار بيده نحوي، أكبر مثال يؤكد على صحة ما أقول. فقد عاد إلى الوطن بعد غياب طويل ثم أكمل وقال: أما إذا بَنَت هذه الحمامة عشّها خارج فلسطين، فستُضلّ فراخها طريق العودة، وعندها سيتلقفهم السماسرة والباعة المتجولون ويبيعونهم بثمن بخس وهم لا يشعرون، فردّ عليه أخوه الملتحي محتجاً: حلّلوا وفسِّروا واستنتجوا ونظّروا كما تشاؤون، فأنا لا أقبل إلا بفلسطين التاريخية من البحر إلى النهر وفوقها وردة، واحتدّ في كلامه وبحركة لا إرادية ضغط على مسبحته فقطع خيطها وتناثرت حباتها في كل مكان، وعلى الفور سأل صديقي أخاه الملتحي قائلاً: هل تستطيع يا أخي العزيز أن تعيد مسبحتك كاملة كما كانت؟ 

timthumb
عشبة الغبيرّة المنتشرة في حواكيرنا بكثرة

لم يترك لهم والدهم استكمال حوار الأخوة هذا، بل قطعه عليهم قائلاً: نعم يا ولدي أستطيع أن أعيد المسبحة أحسن مما كانت لكن بشروط، أولها أن أستبدل خيطها الصيني المستورد بخيط من نبات القنب بعد دعكه مرات ومرات بعشبة الغبيرّة الموجودة بكثرة في حواكيرنا، فأهل الصين يبيعوننا مسابح مربوطة بخيط صناعي وهمي وما هو بخيط ولكن شبّه لنا.

imagescan25lhq
الحبة التي نجدها ندخلها في الخيط أولاً بأول

فعلينا أولاً أن نحضر الخيط الذي صنعناه بأيدينا، ونبدأ في البحث عن حبات المسبحة، والحبة التي نجدها ندخلها في الخيط أولاً بأول؛ لأننا إن لم نفعل ذلك فستضيع الحبة التي أصبحت بحوزتنا مرة أخرى. وإذا بحثنا عنها مرة ثانية فقد لا نجدها. وبهذه الطريقة نجمع ما نستطيع جمعه ونعيد تشكيل مسبحتنا  بما تيسّر من الحبات وسنبقى نبحث عن الحبات الضائعة مراراً وتكراراً، وكلما وجدنا حبة أدخلناها بالخيط وبهذا تعود مسبحتنا كما كانت لكن مع الزمن. 

الدنيا حكايات

 

عندما يُكَذِّبُ الطالب مُعَلِّمَهُ


7018811
كان مكيفهم طين البحر وثلاجتهم حب من الفخار 

هذا الذي أنوي أن أحدثكم عنه، هو معلم فلسطيني من الرعيل الأول، كما يحب أهل الكويت أن يسمونهم، والرعيل الأَول، هم جيل من المعلمين الفلسطينيين الذين كانوا قد غادروا فلسطين إلى الكويت، طواعية في أربعينات القرن الماضي، عندما كان الكويتيون مكيفهم طين البحر، وثلاجتهم حِبٌ من الفخار، ولم يكن بالكويت شيئٌ من مغريات هذه الأيام، بل كان الدافع الوحيد لهؤلاء المعلمين، هو ما تعلّموه، وما علّموه لغيرهم فيما بعد، بأن بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغدان، لا حباً في المال أو الجاه، كما يفكر نفر غير قليل من الكويتيين في هذه الأيام.

salfeet12345
أرض فلسطين تتحول في فصل الربيع إلى بساط أخضر 

حضر للتعليم في الكويت من مدينة القدس. وفي أحد الأيام، وأثناء مناوبته في إحدى الفرص، تجمع طلابه من حوله، وسأله أحدهم بكل براءة الأطفال: ما أصلك يا أستاذ؟ فقال له الأستاذ: أنا يا ولدي من بلاد يسمونها فلسطين، فقال له الطالب: وبماذا تشتهر فلسطين يا أستاذ؟ فقال له الأستاذ: تشتهر فلسطين يا ولدي، بالحمضيات، والخضروات، والفواكه، وتتحول أرضها في فصل الربيع إلى بساط أخضر، بعد أن تتفجر في أرضها الينابيع، وتجري بين جبالها الوديان والشعاب.

untitled

نظر الأستاذ إلى طالبه، فوجده مستمعاً إلى كل كلمة يقولها له، لكن ذهن هذا الطالب كان شارداً، وكأنه يفكر، وفجأة أفاق هذه الطالب من صمته قائلاً لأستاذه بلهجته الكويتية: “والله إنك إتكذب ياستاذ، فلا أحد يترك مثل تلك البلاد التي تتحدث عنها، ويأتي ليعيش في صحراء قاحلة مثل الكويت”. فوجئ الأستاذ بكلام طالبه وقال له: معك كل الحق يا ولدي، فيما تقول، وذهب على الفور، وقدم استقالته، وعاد إلى بلاده في الحال.

الدنيا حكايات

الفطور الذي لم ولن يُنسى


img1266746629
وإللي بحبك بيجيلك على القدم ماشي

في القرن الماضي لم تكن السيارات منتشرة كما هي اليوم، ولم تكن الطرق معبّدة، بل كانت هذه الطرق التي تصل القرى ببعضها البعض وعرة، لدرجة أن الدواب تعجز أحياناً على السير فوقها. لكن مع هذا كان التواصل أكثر مما هو عليه الآن، فكانت العلاقات الاجتماعية بين الناس أقوى بكثير مما نراه اليوم، وكان للصداقة معنىً كون الذي يُحبك يأتيك على القدم ماشياً، كما كانوا يُغنون في صحجاتهم الليلية، وكان واجباً على كل من يزور قريباً أو صديقاً أن يأخذ معه هدية مما تيسر، وعلى من يُزار ردّ هذه الهدية أيضاً بمثلها أو أحسن منها في الحال.

untitled
هدية والدي لصديقه 

في أحد تلك الأيام الجميلة الماضية، اشتاق والدي لصديق له، وقرر أن يزوره في قريته التي تبعد عن قريتنا حوالي عشرة كيلو مترات على الأقل، طبعاً مشياً على الأقدام، وفوق ذلك كله حاملاً على كتفيه سلة من التين والعنب لصديقه كهدية. خرج من بيته في الصباح الباكر ووصل إلى صديقه قبيل الظهر وما أن وصل والدي صديقه حتى رحّب به وقام بواجب الضيافة وبقي في ضيافته إلى أن بدأت الشمس تغادر المكان واستأذنه والدي كي يعود إلى بيته.

untitled
بقلولة اللبن

احتار صديقه في نوع الهدية التي سيقدمها لوالدي مقابل هديته، وقرر أن يأخذ رأي زوجته في الموضوع فاقترحت عليه أن يهدي والدي “بقلولة” من اللبن الرائب، فهي تعلم أن والدي لا يقتني لا غنماً ولا بقراً، ولمن لا يعرف البقلولة من جيل هذه الأيام فهي علبة لبن بلغة اليوم مصنوعة من الفخار ولا بد لي من أن أذكّر القارئ أنه في ذلك الزمان كان عيب عليك أن ترفض الهدية مهما كان نوعها، ولذا فقد اضطر والدي إلى حمل هذه البقلولة بين يديه بعد أن شكر صديقه وودعه وعاد بها إلى قريته.

imagesU10NOZ7Q
تعثّر والدي في حجر فوقع أرضاً وانكسرت بقلولة اللبن 

في طريق عودته إلى بيته داهمه الليل وحل الظلام في كل مكان حتى أنه لم يعد يرى موضع قدميه في طريق جبلية وعرة منحدرة، إلا أنه استطاع أن يحافظ على هذه البقلولة سليمة إلى ما قبل البيت بعدة أمتار فقد تعثّر في حجر فوقع أرضاً وانكسرت بقلولة اللبن التي كان قد حملها كل هذه المسافة الطويلة، وتفتت إلى قطع صغيرة متناثرة إلا قطعة واحدة منها كانت كبيرة وتحمل في داخلها شيئاً من اللبن فما كان منه إلا تركها في مكانها والعودة إلى البيت ليجدنا نياماً فنام معنا دون أن نشعر به.

Yogurt
الفطور الذي لم ولن يُنسى

وفي الصباح الباكر وقبل أن نصحو من نومنا ذهب والدي ومعه صحنٌ إلى المكان الذي ترك فيه اللبن وما أن وصل إلى ذلك المكان حتى قام بسكب اللبن المتبقي من تلك القطعة الكبيرة من البقلولة في هذا الصحن بعد أن أصرت هذه القطعة الكبيرة إلا أن تكافئه على صبره وقوة تحمله، وعلى حبه لزوجته وأولاده وجاء بهذا الصحن إلى البيت وقام بإيقاظنا من نومنا بعد أن وضع على هذا اللبن قليلاً من زيت الزيتون وما هي إلا دقائق معدودة حتى حضرت أمي من الطابون ومعها الخبز الساخن فكان ذلك الفطور الذي لم ولن يُنسى.

الدنيا حكايات

كيف اسْتَدّ والدي دينه؟


untitled1
خمسة جنيهات فلسطينية

كان لوالدي، رحمه الله، صديقٌ عزيزٌ عليه من قرية مجاورة لقريتنا. وفي يوم من الأيام حضر هذا الصديق عند والدي ليستدين منه مبلغاً من المال قدره خمسة حنيهات فلسطينية على أن يسدّها له خلال أسبوع من تاريخه وأعطاه والدي كل ما يملك في ذلك الوقت، وأشعره بذلك ليكون حافزاً له على سرعة السداد، لكن هذا الرجل أخذ المبلغ من والدي وتركه صفر اليدين وعاد إلى قريته سالماً غانماً مبسوطاً.

9938404-ogبدأ والدي ينتظر مرور هذا الأسبوع على أحر من الجمر، ومضى الأسبوع ولم يحضر صديقه، وانتظره أسبوعاً ثانياً وأسبوعاً ثالثاً ولم يحضر، فما كان من والدي إلا أن قام بزيارته في قريته ليطمئن عليه وعلى أحواله فوجده في أحسن حال. وعندما طالبه بتسديد دَيْنه وعده أن يحضر إلى عنده خلال أسبوع من تاريخه ومعه كامل المبلغ المطلوب. عاد والدي إلى بيته وأخذ ينتظر قدومه وانتهى الأسبوع ولم يحضر وانتهى الأسبوع الثاني والثالث ولم يحضر، فاحتار والدي في الأمر إلى أن خطرت في باله فكرة لا تخطر على بال أحد. 

images
نحن سنقيم عندك في بيتك حتى تدفع دينك

كانت الفكرة أن يطلب والدي من أمي أن تجهز نفسها هي وأولادها الثلاثة للقيام بزيارة خاطفة لصديقه العزيز في بيته دون أن يفصح لها عما يجول في خاطره. وعندما وصلوا إلى بيت هذا الرجل رحّب بهم، لكن قبل أن ينهي كلامه قال له والدي: نحن هنا لسنا من ضيوفك كي ترحب بنا، نحن سنقيم عندك في بيتك حتى تدفع لنا كل ما عليك من دين. فها هي زوجتي وأبنائي جميعاً جاهزون للإقامة عندكم حتى ذلك الحين. 

293657_508009222564725_598813998_n

فردّ عليه صديقه قائلاً: رسالتك ياصديقي وصلت وما عليك إلا أن تنتظرني لحظات قليلة، وما هي إلا دقائق معدودة حتى حضر صديقه ومعه المبلغ المطلوب منه وأعطاه لوالدي دون أن يقول له كلمة شكراً. وبعد أن استد والدي دينه قال لأمي: هيا بنا نعود إلى بيتنا ثانية لأن مثل هذا الرجل لا يُزار.

الدنيا حكايات

الزرب أكلة الحرامية


253970_234785196537743_1394072_n1
حرامية زمان
images-22
حرامية اليوم

في الماضي القريب كان عدد (الحرامية) في كل قرية أو مدينة عربية (إن وجد) قليلاً جداً يُعد على أصابع اليد الواحدة، وهؤلاء الذين كانت تجبرهم ظروفهم على هذه المهنة فعليهم أن يتقيدوا بكل متطلباتها، وهي أربعة شروط يجب توافرها جميعاً للانتساب إلى نقابة الحرامية، أولها أن يكون هذا المنتسب الجديد (مُعدَماً) أي لا يمتلك قوت يومه، أما ثاني هذه الشروط أن لا يسرق هذا الحرامي شيئاً يمتلك مثله، وثالثها أن يقر ويعترف بأن ما يقوم به عمل “منكر” لا يقره أحد وعليه إخفائه أو على الأقل عدم الجهر به علانية أمام الناس، وآخر هذه الشروط أن لا يُدخل شيئاً مما كان قد سرقه إلى بيته، وأن لا يطعم منه عائلته. كانت هذه الشروط الواجب توفرها في حرامية الأمس، فمن خالف إحداها عليه التوبة من أفعاله كما يصبح منبوذاً حتى من مجتمع الحرامية نفسه. 

DSC00050
تجهيز اللحمة

وكان تذوق لحم الخاروف البلدي المشوي أو تذوق الدجاج المشوي هو كل ما يطلبه ويشتهيه حرامية أيام زمان، لأن هذه اللحوم غير متوفرة لديهم، ولا يجدونها في بيوتهم، فيضطرون  لسرقتها من بيوت جيرانهم القريبين أو البعيدين عنهم، وكان عليهم في جميع الحالات أن يراعوا شروط مهنتهم التي تمنعهم من أكل ما سرقوا داخل بيوتهم، لذا كان لا بد لهم من اختراع طريقة جديدة لأكل هذه اللحمة المسروقة وملء بطونهم منها دون أن ينكشف أمرهم على أحد، فاخترعوا أكلة خاصة بهم سموها (الزرب).

???????????????????????????????
اللحمة وقد انشوت داخل الحفرة

فكانوا يذهبون إلى (الخلاء) بعيداً عن أعين الناس ومعهم ما سرقوا من لحوم أو دجاج، ثم يقومون بحفر حفرة عميقة في الأرض يملؤونها بالحطب والخشب ويشعلون فيها النار، وينتظرون عليها حتى تخبو شعلتها ويلمع جمرها وتشتد حرارتها، ثم يضعون فيها اللحم أو الدجاج المسروق بعد تنظيفه وتقطيعه وتغطيته بغطاء حديدي محكم، ثم يقومون بتغطية كامل الحفرة بالتراب. وبعد ساعتين من الزمن يفتحون الحفرة فيجدون اللحمة قد احمرت وانشوت فيأكلونها دون ضجة أو جلبة.

???????????????????????????????
اللحمة بعد خروجها من الحفرة

هكذا كان حرامية أيام زمان، فقد كانوا قنوعين جداً، فهم لا يسرقون إلا سراً ولا يسرقون شيئاً يمتلكون مثله، وهم إن سرقوا فيسرقوا ليأكلوا هم فقط ولا يُطعمون عائلاتهم مما سرقوا. أما حرامية هذه الأيام فحدث ولا حرج، فأول عمل قاموا به هو كسر قواعد مهنتهم، فلم يعد السارق هو الشخص المعدم بل أصبح من يملك أكثر من غيره، ولم تعد السرقة من أجل تذوق الأكل الذي كان يفتقده فقط، بل أصبح هدف السرقة أن يكون السارق أغنى من الأغنياء، كما تحولت المجاهرة بالسرقة إلى مدعاة للتفاخر بينهم في دواوينهم، وفقد سؤال “من أين لك هذا؟” إجاباته عند معظم هؤلاء.  

1a_zpsa91b0409
وأصبح للحرامية سوق في كل كل مدينة عربية

ولم تعد السرقة تجلب العار لأصحابها بل أصبحت مفخرة لهم ولأولادهم من بعدهم. ولم تعد حفرة الزرب التي يحفرونها في الخلاء كما كانت في الماضي، بل أصبحوا يحفرون هذه الحفرة في داخل بيوتهم حتى قبل أن يتم بناؤها، لا بل أصبحوا يتفاخرون بها بين الناس. ولم تعد أكلة الزرب أكلة للحرامية فقط بل أصبحت أكلة شعبية شائعة في المجتمع العربي بعد أن تذوق الأولاد طعم اللحمة المشوية المسروقة فأعجبتهم واستساغوا طعمها ورائحتها فقرر الكثير من هؤلاء الأطفال أن يمتهنوا هذه المهنة من صغرهم لكن من غير شروطها.

img-20150217-wa00031
سوق الحرامية في دمشق

وتمكن هؤلاء الحرامية الجدد بعد أن تزايدت أعدادهم في مجتمعاتنا العربية أن يستبدلوا ثقافتنا العربية التي ورثناها عن أجدادنا وثقافتنا الإسلامية التي ورثناها عن ديننا الحنيف بثقافتهم الجديدة، ولم يعد ما يقومون به سراً عليهم إخفاؤه بل أصبح لهم في كل مدينة من مدننا العربية والإسلامية سوقاً كبيراً سموه سوق الحرامية دون حياء أو خجل، يعرضون فيه بضاعتهم المسروقة ويبيعون فيه ما يسرقون على مرأى ومسمع من الحكومات المتعاقبة، وهم بذلك انتزعوا اعترافاً من الناس ومن الحكومات أيضاً بمهنتهم (السهلة) بعد أن أصبح الناس يشترون منهم بضاعتهم وهم يعلمون علم اليقين أنها  بضاعة مسروقة.  

الدنيا حكايات