الصقر اليهودي طائر عُدواني لا يستطيع مقاومة الجوع وهو موجود في كل مكان من هذا العالم أما الثعلب البريطاني فهو حيوان مُفترس شرِه يُحبّ الأكل دون أن يبذل جهداً في تحضيره وله مناطق نفوذ من ضمنها أرض الشنانير أما الطاووس الألماني فهو مُعجب بنفسه والدبّ الروسي صيّاد ذكيّ والنسر الأمريكي يعيش في قمم الجبال العالية البعيدة عنا ويصطاد الحيوانات الكبيرة بعد أن يضربها بجناحيه الكبيرين فتهوي على الأرض فوراً وبعدها يقوم بافتراسها وأما الجمل العربي فهو حيوان ضخم تراه من بعيد فيُعجبك منظره وعندما تعلم أن هِرّة تقوده يسقط من عينك إلى الأبد.
ردّ عليه الرجل الغاضب على الفور وقال: شكراً يا مولاي على هذا الموقف النبيل الذي كنا ننتظره منذ زمن بعيد فهذه أول مرة نجد فيها من يقف معنا نحن الفلسطينيون ويناصرنا على عدونا دون مقابل وأدار بوجهه للجماهير المحتشدة من ورائه وبدأ يغني:عهد الله ما نرحل … نجوع نموت ولا نرحلفأعجبت الجماهير بما قاله لهم هذا الرجل الغاضب وردّه الفوريّ على مولاه وأخذوا يُرددون ما قاله لكن بصوت مرتفع: عهد الله ما نرحل … عهد الله نجوع نموت ولا نرحل عهد الثورة والثوار … والجماهير ما نرحل واحنا قطعة من هالارض … وعمر الارض ما بترحل.
بعد أن سمع الناس كلام الرجل المُحتج واعتراضه على الرّجل الغاضب وردّ الرجل الغاضب على الرجل المحتج قاموا بإسكات الرجل المُحتج فوراً وطالبوا الرجل الغاضب بالاستمرار بالحديث نيابة عنهم فهو خير من يمثلهم أمام الله والناس وصاح أحدهم من بعيد قائلاً:ما أحوجنا إلى قيادة بسيطة من هذا النوع ليس لها مستشارين واعلاميين وناطقين باسمها فقد أصبح عندنا من المستشارين والناطقين الرسميين والإعلاميين أكثر مما عند الصين.
ردّ عليه الرجل الغاضب قائلاً:أنا لا أريدك أن تعرف اسمي الحقيقي وليس لي اسم حركي أو ثوري فقد مللت الأسماء كلها لا بل نسيتها وليس لي كُنية أعرف بها فلم يعد للأسماء التي تبدأ بأبي فلان أيّ معنى بعد أن اكتشفنا أنهم يتغطون تحت أسمائهم الكبيرة وهم صِغار وأما هذه الأسماء التي ذكرتها فقد كنت أنا وأمثالي خارج اهتماماتهم فهم كانوا يريدون من يعوم في بحرهم ويسبّح بحمدهم ويمشي في فلكهم ويتغزل في بطولاتهم وأنا لا أتقن مثل هذا الفن وأضاف قائلاً:
لست ممّن استرزقوا ولا زالوا يسترزقون بالقرآن
أنا يا سيدي لا أحفظ من القرآن الكريم إلا ما أحتاجه في صلواتي ونسكي وعباداتي ولست ممّن استرزقوا ولا زالوا يسترزقون بالقرآن ولا من الذين استخدموا ولا زالوا يستخدمون القرآن لفكّ الحصار ولا من الذين رفعوا القرآن ولا زالوا يرفعونه على أسنة الرماح كلما احتاجوا إلى ذلك في الحروب الداخلية نحن الآن يا سادة أحوج ما نكون إلى اكتشاف عيوبنا والاعتراف بها دون أي تجميل زائف أو تزوير مُتعمّد.
إحتجّ أحد الأشخاص الواقفين على ما سمع وصاح بأعلى صوته قائلا:من أنت أيها الرّجل الغاضب؟عرّفنا على اسمك الحقيقي أو الثوري أو الحركي أو حتى كُنيتك؟وقل لنا من أيّ البلدان قدمت؟ومن الذي أرسلك إلينا؟وكيف استطعت الوصول إلى قلوب الناس بهذه السرعة الكبيرة؟أما نحن فلا نعرفك من قبل حتى أنك لم تبدأ حديثك بآية قرآنية ولا حتى بحديث شريف كغيرك من الخطباء الذين كنا نسمعهم من قبل كم تبْدُ غريباً يا هذا.
بعد أن سمع الناس هذا الكلام الجارح من هذا الرّجل الغاضب قالوا بصوت واحد:خير من يُمثلنا عند الله وعند الناس هذا الرّجل الغاضب الذي لا يخشى في قول الحق لومة لائم فهو يغار علينا أمام الله وليس أمام الناس فقط وقالوا له:تقدّم يا هذا وأسمِعْهم رأينا وتقدم الرّجل الغاضب وقال:أرجو المعذرة سلفاً يا سادة ويا كرام عمّا سأقوله عنكم إليكم فأنا لا أتمتع بدبلوماسية السياسيين التي اعتدتم على سماعها ممن هم قبلي فأنا لم أتعلم النفاق والدجل السياسي في دكاكين السياسة العربية ولا أخاف من نشر الغسيل بأنواعه النظيف والمُتسخ والمرئي والمستور في السياسة العربية وتابع قائلاً:
نحن شعب لا نعترف بالآخر لا بل ندوس عليه لو تمكنا
نحن شعب لا نعترف بالآخر لا بل ندوس عليه لو تمكنا أما إذا لم نتمكن فنقمع الرأي الآخر ولا نعترف به وندعي بأننا نمتلك الحقيقة دائماً لا بل ننكرها إذا جاءت على لسان الآخر ونحن الذين أغرقنا مُجتمعنا في دوّامة العُنف المُتبادل حتى أنه فقد ثقته بأطراف النزاع جميعاً ولم يعد قادراً على التمييز بين الغث والسمين وقمنا بتهيئة هذا الشعب لقبول قوى جديدة قديمة كانت ولا زالت تحلم في أن تواتيها الفرصة كي تنقضّ عليه لتخلق أوضاعاً جديدة له ولها لم تكن في حُسبان أحد بعد أن حوّل البعض منا ألوان العلم الفلسطيني إلى لون واحد.
وَلكمْ بَطلتوا تِستحوا على حالكم ولكمْ خافوا الله يا جماعة
غضب أحدُ الواقفين في الطابور لا بل اشتاط غضباً مما سمع فرمى سيجارته التي كانت في يده اليمنى وخلع حَطته وعِقاله عن رأسه بيده اليسرى ورماهُما أرضاً ثم خفف من ضغط ربطة عنقه وتوسّط الناس جميعاً وقال بصوت مبحوح من شدة الغضب:وَلكمْ بَطلتوا تِستحوا على حالكم ولكمْ خافوا من الله يا جماعة ألا يكفيكم خلافاً واختلافاً أمام الناس؟أتريدون أن تختلفوا حتى أمام الله؟وإذا ما اختلفتم اليوم فمن الذي سيسمعنا بعد الآن؟.
صاح بهم المُنادي:إرجعوا إلى أماكنكم أيها الفلسطينيون لأنكم كنتم قد نسيتم هدفكم النبيل الذي نستقبلكم اليوم من أجله لا بل انشغلتم في التفاصيل ونسيتم الهدف الذي قدمتم من أجله ولم يختر أحد منكم حيوانه المفضل حتى الآن عليكم أن تذهبوا جانباً وتتفقوا فيما بينكم على شخص واحد منكم ليتكلم باسم الجميع حتى يستطيع هذا الشخص الواحد أن يسمع صوتكم للناس أولاً ثم إلى الله تعالى ثانياً.
كما فعلت فتح وحماس في قطر
وعلى مضض سمحوا لأحدهم بالكلام دون أن يُلزمهم كلامه بشيء كما فعلت حماس في مباحثاتها مع فتح في قطر عندما اجتمعوا من أجل تحقيق الوحدة الوطنية بينهما فقال لهم المنادي مهدداً:أول مرة في حياتي أسمع عن جماعة لا يلتزموا بما سيقوله من يعينوه ناطقاً باسمهم فإذا كررتم ما فعلتوه في قطر ولم تختاروا أحدكم ليمثلكم أيها الفلسطينيون وتلتزموا جميعاً بما يقوله ستفقدون حقكم في الكلام.
إعتقد الضعفاء من الناس بأن الأقوياء منهم لن يقبلوا بهذا التحويل الذي طالب به المستضعفين حلاً لمشكلتهم بعد أن امتلك الأقوياء الدنيا ومن عليها لكن الأقوياء خيبوا أمل الضعفاء منهم فكانوا أكثر فرحاً لأن القوي في العادة أقدر من الضعيف في اقتناص الفرص المتاحة بعد أن وجدوا في هذا التحويل فرصتهم الأخيرة في الدنيا والتي لن تعوض في أن يمدوا نفوذهم على الضعفاء منهم حتى ولو أصبحوا حيواناتاً مثلهم قبل أَن يودعوا الدنيا بمن فيها بدلاً من أن يخرجوا منها نادمين على ما فعلوا.
فرح الضعفاء من الناس لهذا التحويل الرباني واعتبروه أول نصر لهم على الأقوياء في هذه الدنيا أما الأقوياء من الناس فأذعنوا للأمر الواقع لكنهم طلبوا أن يكون لهم الحق في اختيار الحيوان الذي سيُحوّلون إليه فعلم الله ما في قلوبهم وكي يحبط الله أعمالهم جعل هذا الشرط للجميع وليس للأقوياء فقط فكان لزاماً على كل شخص سواء أكان شخصاً قوياً أو ضعيفاً أَن يختار حيوانه المفضل الذي يرغب بالتحويل إليه بشرط أن يبين السبب الذي جعله أن يختار هذا الحيوان فإذا كان هذا السبب مقنعاً استجاب الله إلى طلبه وإلا فقد أخفق في هذا الاختيار.