نظرة ٌ فابتسامة ٌ فسلامٌ فـكلامٌ فـموعـدٌ فلقــــــاءُ
لعلّ أحمد شوقي، شاعرنا الكبير، قصد السيجارة بهذا البيت. فرحلة الإدمان على التدخين تبدأ من نظرة إلى سيجارة مدخن، مملوءة بالإعجاب بها وبما تخلقه من أوهام حولها. يتبع تلك النظرة رغبة في دخول هذا العالم، والذي يتعرف عليه المدخن عادة من خلال أحد أصدقائه، ليجربها في المرة الأولى، فإن عاد إليها انتهى به المطاف تحت رحمتها. أما ساعة الفراق، فهي تختلف عن ساعة فراق المحبين، إذ تدوم العشرة بين المدخن وسيجارته طوال العمر في أغلب الأحيان.
أول حالات الفراق بيني وبين السيجارة كانت في شهر رمضان، إذ ينقلب نهاري جحيماً لا يُحتمل، ومنه تعلم أفراد أسرتي أن يتجنبوني في نهار أول أيام من رمضان، كما أني لا أطيق انتظار أذان المغرب حتى أتناول فطوري وأفرغ منه قبل انتهاء الأذان لأتناول سيجارتي الأولى، أتبعها بأخواتها حتى أعوض نقص النهار كاملاً. وما أن يحين موعد الإمساك حتى أبقى متشبتاً بها إلى آخر لحظة من أذان الفجر. كما أنني لم أكن أستشعر الطعام أو الشراب الذي أتناوله انتظاراً للسيجارة، وكنت أنقض على الطبق الرئيسي دون أي مقدمات من شوربة ونحوه. في تلك الأيام، كنت مستعداً لصيام الدهر لو استثنينا التدخين من المعادلة.
أما ثاني حالات الفراق، فعندما تقرع أجراس الحرب حيث تبدأ القوانين السائدة بالزوال وتحل الأنانية بدلاً منها بين الناس، وتتغير النفوس ويصبح الشعار السائد بينهم: اللهم أسألك نفسي. والمدخنون عادة من الفئات الأكثر تأثراً في المجتمع بالحروب وما أن يستشعروا بقدومها حتى يسيحوا في الأرض بحثاً عن مزيد من السجائر لتخزينها للأيام القادمة، والتي لا يعرف أحد نهاية لها. كما يستغلّ الباعة غياب الرقابة الحكومية والحالة النفسية للمدخنين ويُغيّبون الرقابة الإلهية على أنفسهم ويقومون بإخفاء السجائر ليرفعوا سعرها لأنهم يعتقدون أنهم مهما رفعوا من سعرها فهناك من سيدفع ويشتريها.

حرب عام 1967 جلبت المصائب للشعب الفلسطيني، شأنها شأن باقي حروبنا. إلا أن ما يهمنا هنا هو انقطاع الدخان العربي، والسماح فقط ببيع دخان الكيان الصهيوني غالي الثمن، مما اضطرني أنا وأمثالي إلى شراء الدخان العربي المهرب على شكل أكياس تُسمى “أُكك” على الرغم من صعوبة الحصول عليها ناهيك عن حملها، حتى لا يجذبنا العدو إلى مصيدة دخانه المتوافر بعد أن قام بإغلاق مصانع الدخان الفلسطينية.
