
كان لي صديق من محدثي النعمة، أتته الأموال من حيث لا يدري. خطر في بال صديقي يوماً أن يأكل التين طازجاً، فالتين المتوفر في البقالة التي تجاور مسكنه، لم يعجبه، فقرر أن يذهب بنفسه إلى بائعي التين في شارع الجاردنز، ويشتري ما يحلو له من هناك. وما أن نزل من بيته إلى الشارع العام وجد سيارة تكسي تبحث راكب، فما كان من هذا الراكب إلا أن فتح باب السيارة وجلس في المقعد الخلفي، مما أثار حفيظة السائق. لكن هذا السائق لم يتكلم معه، وعندما سأله عن خط سيره قال له: أريد أن أذهب إلى شارع الجاردنز، وأشتري من هناك سلّة من التين، وبعدها تعيدني إلى المكان الذي ركبت معك منه، فقال له السائق: حاضر.
انطلق السائق بسيارته إلى شارع الجاردنز، يبحث له عن بائع تين، وعندما وجده، نزل صاحبنا من السيارة ليرى التين بنفسه ويشتريه، ولما لم يعجبه ذلك التين، عاد وطلب من السائق أن يذهب به إلى بائع تين آخر، فاستجاب له السائق، ثم نزل صاحبنا ليرى التين عن قرب، فلم يعجبه أيضاً، فطلب من السائق أن يذهب به لبائع ثالث… وهكذا إلى أن ملّ السائق، فقال لصديقي: هذا هو التين الموجود في البلد، عليك أن تشتري أو لا تشتري، فوقتي أثمن من أن تضيّعه في البحث عن التين.

قالها هذا السائق مع شيءٍ من الغضب، فردّ عليه صديقي: أنت تتقاضى أجرتك، وما عليك إلا تنفيذ ما أطلبه منك، فقال له السائق: أنا أريد أن أُوفّر عليك الوقت، والمال لا أكثر، فردّ عليه صديقي: أفهم من كلامك هذا أنك لم تعرف من هو الذي يركب معك في سيارتك؟ فقال له السائق: لا أعرف، ولا أريد أن أعرف، فقال له صديقي: إذاً ما عليك إلا أن تنزلني هنا في هذا المكان، كي أُعرّفك من أنا. نزل صديقي من التكسي، وقبل أن يدفع له أجرته، قرأ اسم المكتب التابع له هذا التكسي، ورقم السيارة.
