بس إحنا مش كويتية يا أستاذ


Bu7aRj4IcAAK6-t
طلاب جامعة القاهرة في ستينات القرن الماضي

شاب كويتي الجنسية أرسلته حكومة بلده في بعثة دراسية ليدرس الطب في جامعة القاهرة في أوائل ستينات القرن الماضي. ما أن وصل القاهرة ورأى ما رأى هناك في (أم الدنيا) من ماء وخضرة ووجه حسن حتى رسب في السنة الأولى لعدم انتظامه في الدوام، ورسب أيضاً في السنة الثانية لأنه لم يبذل الجهد الكافي للنجاح، فاختصر على نفسه الطريق من بدايته وحوّل من دراسة الطب إلى دراسة الجغرافيا.

260px-globespin1
معظم الكويتيين في وزارة التربية كان تخصصهم جغرافيا

ولحد الآن لم أعرف السر الذي جعل متعلمي أهل الكويت في ذلك الوقت يدرسون هذا العلم (الجغرافيا) دون غيره من العلوم (فمعظم من كنت قد قابلتهم من الكويتيين العاملين في وزارة التربية على مدى عشرين عاماً كانوا متخصصين في علم الجغرافيا) لأن دراسة الجغرافيا بالنسبة لهم لا تحتاج منهم إلى جهد وتعب، ولا إلى انتظام في الدوام أو الجلوس بالساعات في المختبرات والمستشفيات والمكتبات وسهر الليالي، ومع هذا فقد أنهى صاحبنا دراسته في علم الجغرافيا بعد ثماني سنوات (أي أنه رسب أربع مرات)، وعاد بعدها إلى بلده الكويت بعد أن أضاع من عمره عشر سنوات يبحر في مختلف العلوم مراراً وتكراراً.

cartoon-local
مدير المدرسة

وما أن وصل صاحبنا إلى الكويت حتى وجد وظيفته جاهزة بانتظاره، إذ عُيّن مديراً للمدرسة التي كنت أُدّرس فيها في ذلك الوقت، والتي كانت نسبة طلبتها غير الكويتيين تقارب ال 99% إذ هم من جنسيات عربية مختلفة. وما أن رأيت هذا الناظر لأول مرة حتى حسدت نفسي عليه قبل أن أحسد المدرسة التي كنت أعمل بها، فقد كان طويل القامة حتى أنه كان عليه أن يخفض من رأسه قليلاً كي يستطيع أن يدخل من باب الغرفة وكان في نفس الوقت عريض المنكبين حتى أنه لا يستطيع أن يدخل الغرفة إلا إذا فُتح له الباب على مصراعيه، كما كان يرتدي الدشداشة والغترة والعقال، وهذا اللباس وحده كان يكفي لإخافة أي شخص غير كويتي في الكويت فما بالك إذا كان هؤلاء الناس طلاباً صغاراً في السن.

Kacamata Hitam
يستطيع أن يراك دون أن تراه

وكان فوق ذلك كله يرتدي نظارات طبية سوداء اللون يغطي بها عيناه، فهو يستطيع أن يراك دون أن تراه. من أجل كل هذا فقد أصبح شخصية مرعبة للطلبة، حتى أنه عندما كان يقف أمام الطابور الصباحي تجد هذا الطابور ينتظم لوحده خلال دقائق معدودة دون أن يتكلم، فكان وجود هذا الناظر في الطابور الصباحي يريح المدرس المناوب وأنا منهم، وكالعادة وجد الكثير من المدرسين المستعدين للقيام بأعماله الإدارية تطوعاً وتقرباً منه، وأصبح عمله احتساء أكواب الشاي جالساً في مكتبه دون أن يقوم بأي عمل من الأعمال الإدارية المطلوبة منه.

14676841-an-angry-cartoon-businessman-with-blank-paper-flying-around
الطالب بعد تعليق النتائج

وفي نهاية العام عندما خرجت النتائج المدرسية قاموا بتعليقها على الزجاج  الداخلي لغرفة حارس المدرسة من الداخل، وما أن عُلقت النتائج حتى وجدت الطلاب قد تجمعوا حولها كل يريد أن يقرأ نتيجته وكان من ضمن هولاء الطلاب طالب فلسطيني وجد نفسه راسباً، فما كان منه إلا أن ضرب لوح الزجاج بيده فكسره فجرح له يده، فأخذناه إلى غرفة المدير لعلاجه وعلى الفور قاموا باستدعاء سيارة الإسعاف لنقله إلى المستوصف وفي هذه الأثناء قال المدير لهذا الطالب: لم تغضب يا بني من الرسوب؟ فأنا الذي أجلس أمامك حصلت على شهادتي الجامعية بعد عشر سنوات، وكما تراني الآن مدير مدرسة قد الدنيا؟ فرد عليه الطالب الفلسطيني: بس إحنا يا أستاذ مش كويتية، إحنا فلسطينية لا دولة لنا تحمينا ولا حكومة عندنا تبتعثنا وتتحمل تكاليف رسوبنا. 

الدنيا حكايات

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s