
عندما دخل الإنجليز العراق عام 1918 بعد أن إنسحب الأتراك من منطقة الفرات الأوسط قاموا بإنشاء معسكراً لهم في هذه المنطقة وكان مكان هذا المعسكر يقع ضمن مناطق نفوذ أحد مشايخ الفرات الأوسط آنذاك وهو الشيخ (كاصد) ولم يكن لهذا المعسكر من مبرر يذكر فكل شيء في هذا المكان هادئ جداً ولم يكن لدى الضباط والجنود الإنجليز أي واجبات تُذكر فكان لديهم الكثير من وقت الفراغ ملؤوه في صيد الثعالب البرية وهذه هواية محببة لدى فئة كبار العسكريين البريطانيين.

وفي أحد الأيام قامت مجموعة من ضباط هذا المعسكر البريطاني بِمطاردة واوي داخل عمق مناطق بساتين الشيخ كاصد وبعد أن تمت محاصرته وجدوه جميل الشكل والمنظر فقرروا أسره وشحنه إلى بريطانيا وتشاء الصدف أن يشهد حادثة الأسر هذه أحد رعيان المنطقة فامتعض مما رأى إمتعاضاً شديداً وبعد مغادرة البريطانيين البستان جمع أغنامه على عجل وأوصلها إلى مقرها ثم توجه فوراً إلى مضافة الشيخ كاصد.

دخل هذا الراعي المضافة على الشيخ كاصد فوجده جالساً مع رجاله فقام برمي عقاله على الحصيرة وأخذ يقول: واوينا يا كاصد شنهو سبب أسره؟ تراجية ذهب والطوق من فضة جم صوجر بصوجر بالسدر عضة مأسور إلى لندن يودونة؟ عندئذ ساد الهرج والمرج في المضافة من شدة وقع هذا الكلام على الحضور وقالوا بصوت واحد: شلون الواوي يروح أسير إلى لندن؟ وعلى الفور جمع الشيخ گاصد مجموعة كبيرة من المسلحين وتوجه بهم إلى المعسكر البريطاني فدخلوه على غفلة وفتكوا بكل الجنود البريطانيين الموجودين فيه وبحثوا مطولاً عن الواوي دون جدوى ولم يجدوا له أثراً فعاد الشيخ گاصد مع رجاله إلى ديارهم وهو يرتعد من الغضب بعد أن تم شحن الواوي إلى لندن.

فوجئ العسكر البريطانيون بما حدث لهم في معسكرهم واعتبروه إهانة لملكتهم المعظمة وللتاج البريطاني وقرروا فيما بينهم قطع رأس الشيخ گاصد مقابل ذلك لكنهم إحتاروا في كيفية تنفيذ هذا القرار الصعب فلجأوا إلى الحيلة كعادتهم حيث طلبوا من الشيخ گاصد أن يتوجه لمقر المندوب السامي البريطاني في بغداد للتفاوض معه على ما حصل لهم في المعسكر هذا في الظاهر أما في الباطن فكان الغرض الحقيقي هو الإنفراد بالشيخ كاصد وأسره ومن ثم تنفيذ حكم إعدامه وعلى الفور إكتشف الشيخ كاصد لعبتهم الدنيئة ورفض طلبهم هذا وقال لهم: من يحتاجني فأنا موجود في مضافتي.

رفض المندوب السامي طلبه واقترح عليه أن يكون اللقاء في القطار الذي سيتوقف في أقرب محطة من مقر الشيخ گاصد وفي ضميره أن يأسره في القطار ويتوجه به إلى بغداد ويعدمه هناك فأدرك الشيخ كاصد ما ينوون فعله لكنه وافق وتوجه إلى المحطة المتفق عليها بعد أن جمع رجال أشداء من جميع عشائر الفرات الأوسط وصعد إلى القطار ليفاوضهم وحاول بحلاوة المنطق أن يعيد الواوي إلى موطنه.

وعلى الرغم من ذلك فقد طلب المندوب السامي مبلغاً كبيراً من المال مقابل الجنود الذين قتلوا في المعسكر البريطاني وحاول هذا المندوب أن يكون حاداً مع الشيخ وخاطبه بكل عنجهية واستعلاء عندها أدرك الشيخ گاصد أن لا جدوى من الكلام مع المندوب السامي البريطاني فقال له: إنني لست أنا بصاحب قرار في هذا الموضوع ولكني سأنقل رغبتك بكل أمانة لإخوتي وأنا سأطيعهم في ما يقررون وخرج الشيخ من القطار ولم يجرأ أحد على إيقافه.

عندها أشار على المندوب السامي أحد مرافقيه بأن يغض الطرف عن موضوع الجزية وأن يعد الشيخ بإطلاق سراح الواوي بأسرع وقت ممكن فقال له المندوب السامي: ومن أين لي بالواوي؟ فقال له: عليك يا مولاي أن تحضر لهم أي واوي من أي مكان وتعيده لهم فاقتنع المندوب السامي بما قاله مستشاره وأبرق إلى بغداد وأمرهم أن يرسلوا له أي واوي وبأسرع ما يمكن وكان له ما أراد.
