
حيثما يوجد مدير يوجد منافق وحيثما يوجد رئيس يوجد متملق ومتسلق. هكذا أصبح واقع الحال عندنا في هذه الأيام، والغريب في الموضوع أن مثل هؤلاء المنافقين والمتملقين باتوا يُصنفون من قبل مدراء المؤسسات والدوائر أنهم هم الوحيدون المتعاونون فى العمل داخل مؤسساتهم ودوائرهم، وهم الوحيدون الحريصون على مصلحة شركاتهم أو مؤسساتهم، بينما في الحقيقة أبعد ما يكونون عن ذلك وهذه النوعية المريضة من الأشخاص باتت لا تكترث إلا بالوصول الى ما تصبو إليه أنفسهم مهما كان الثمن الذي سيدفعونه مقابل ذلك.

وهذا المنافق أو المتملق عادة ما يحب أن يتولى كل الأعمال الإدارية التى يكون فيها احتكاك مباشر مع المدير، ولا يمكن لهذا المنافق أن يتركها لغيره مهما كان الثمن. كما تجده دائماً متربصاً بزملائه الموظفين من أمثاله لاصطياد ما يتيسر له من أخطائهم المقصودة أو غير المقصودة، وهو في الغالب يكون شخصاً شديد الذكاء خفيف الحركة حاد البصر ولماحاً بشكل مذهل، ودائماً ما تجده يقف على أطراف أصابعه في انتظار ظهور يد سيده لتقبيلها ثلاث مرات فور ظهورها.

وصفة التملق عادة ما تكون امتداداً طبيعياً لصفة الغدر والخيانة، فالشخص الذى يتواجد معك بالساعات في مكان العمل ويظهر لك المحبة والمودة وفى نفس الوقت يحاول أن ينتهز أول فرصة تسنح له ليطعنك فى ظهرك أمام مديره لا شك أنه بهذا يجمع بين كل الصفات المنحطة، وهذا المتملق عادة ما يكون عنده استعداد غير طبيعي فى أن يتلقى المهانة والشتائم من رؤسائه فى العمل، دون أن يشعره هذا بالامتهان، بل تجده يبتسم أثناء تلقيه أقسى العبارات الجارحة على مشهد من الناس، ولا يحرك ساكناً فى سبيل ألا يغضب عليه سيده. وقد تمتد به هذه التنازلات لخدمة مديره خارج العمل فى أمور خاصة.
إن وجود مثل هذه الفئات داخل المؤسسات أصبح يهدد الاستقرار والأمن الوظيفي لكثير من الموظفين والعمال الشرفاء الذين يضعون العمل نصب أعينهم دون إرضاءات رخيصة لشخص المدير بعينه. وفى نفس الوقت نجد أن هذه المجهودات المضنية التي يبذلونها فى العمل قد تُنسب الى غيرهم وتُسرق منهم دون أن يشعروا بذلك، لأن هذه الفئة من المتملقين لها مهارات منقطعة النظير فى تضخيم أعمالها والاستعراض أمام رؤسائهم بجهودهم الزائفة.

بمعنى أن هؤلاء لديهم المقدرة على تسويق أنفسهم بشكل قد يدهشك وقد يجعلك فى حيرة من هذه التمثليات المحبوكة بمهارة عالية، وليس بالغريب عليهم أن يصلوا الى قلوب الرؤساء بأن يتخذوا من الآخرين معبراً لهم حتى لو كلفهم الأمر العبور على أنقاض زملائهم في العمل، بعد أن يمزقوهم بالوشايات والأحاديث الملفقة وحياكة المؤامرات فى وضح النهار من أجل أن يقصوهم أو يبعدوهم عن المدير، فما يهمهم فقط هو الوصول، والعمل بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان.
وأخيراً لا بد من توجيه السؤال إلى كل رئيس أو قائم على أمور الناس فى الشركات والمؤسسات والدوائر التى تضم بداخلها مثل هذه الفئة من الناس: أين أنتم من كل هؤلاء المتملقين الذين أصبحوا يسيطرون على الوظائف؟ويُقْصون الأبرياء والشرفاء تحت ستار الحرص على العمل؟ويحظون بالترقيات وزيادة الرواتب دون غيرهم؟فهل أصبحتم لا تميزون بين أولئك الأنقياء أصحاب المبدأ والعطاء والإخلاص فى العمل وبين أصحاب الابتسامات الصفراء الذين تسربت سموم التملق إلى دمائهم وجرت في عروقهم؟ وهذا مردّه لأنكم أصبحتم تهتمون فقط بالقالب الذى يقدم فيه العمل دون التقصي والاهتمام بجوهر العمل نفسه ولا تعنيكم التفاصيل لا بل أصبحتم تستمعون باهتمام شديد الى كل ما يأتى اليكم من وشايات فى مكاتبهم المكيفة المفروشة دون أن تكلفوا أنفسكم سماع الطرف الآخر وأصبحتم كذلك تدعمون المتملقون وأنتم تعلمون علم اليقين أن مثل هؤلاء لا يصلحون للعمل حتى أصبح الموظف الذى لا يبتسم بمجرد رؤيته للمدير يدخل فى زمرة المغضوب عليهم ويوضع ضمن القائمة السوداء.
