
في بلادنا العربية (من المحيط إلى الخليج) يخرج علينا من بيدهم القرار في وزارات التربية والتعليم بين الحين والآخر بصرعات جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، ومن جملة هذه الصرعات ما كان قد حدث في أوائل السبعينات من القرن الماضي عندما أقرت سوريا تدريس الرياضيات المعاصرة في مدارسها، وعلى الفور لحقت بها كل الدول العربية وقامت بتدريسها في مدارسها دون أن يكون في هذه البلدان كتبٌ مدرسية لها أو مدرسين لهذه المادة الجديدة ولم يستعينوا بالسوريين بل قاموا بترجمة ما كتبته لهم اليونسكو حرفياً دون أن يراعوا خصوصية كل بلد من هذه البلدان.

أما أنا فكنت قد دَرَسْتُ هذه الرياضيات المعاصرة في الجامعات السورية في تلك الفترة، وفور تخرجي من الجامعة ذهبت لأعمل في دولة الكويت وما أن وصلتها حتى وجدتها مقلوبة رأساً على عقب من هذه الرياضيات المعاصرة حتى أنها كانت قد استحوذت على حديث الناس في مجالسهم الخاصة، فلم يكن للناس حديثٌ في ذلك الوقت غير الرياضيات المعاصرة. أما وزارة التربية الكويتية فأصبحت بحاجة ماسة إلى مدرسين لتدريسها لكن من أين لهم ذلك، فقررت هذه الوزارة تأهيل مدرسيها القدامى ليقوموا بتدريس الرياضيات المعاصرة هذه فأعدت لهم دورات تدريبية مكثفة في هذا المجال.

وفي ذلك الوقت كان لمدير المدرسة في الكويت وضعٌ خاص ومميز يختلف عن زملائه المدراء الآخرين في الدول العربية الأخرى، فقد يكون هذا المدير هو الموظف الوحيد في المدرسة الذي يحمل الجنسية الكويتية وباقي الموظفين من الأجانب (على رأي إخوتنا في الكويت)، وعليه فقد أُعطي هذا المدير كافة الصلاحيات التي تخوله من إنهاء عمل الموظف في مدرسته ومن هؤلاء المدراء من كان يستغل هذه الصلاحيات الموسعة ليستعبد مدرسيه في المدرسة أو في خارجها.

وبالعكس فقد أخذ الكثير من هؤلاء المدرسين يتسابقون في خدمة مثل هؤلاء المدراء، فمنهم من كان يُعلّم أولاد مديره في البيت تطوعاً دون مقابل، ومنهم من كان يعمل في صيانة أدواته المنزلية في بيته، ومنهم من كان يشتري له الخضار والفواكه أيضاً، ومنهم كان ينجز له معاملاته الحكومية. عندما رأى هؤلاء المدراء أن من يقوم بخدمتهم هم من خيرة شباب الأمة العربية في ذلك الوقت ومن كل البلدان العربية لم يصدقوا أنفسهم وأصبحوا يصولون ويجولون ويأمرون وينهون دون أن يقف في طريقهم أحد.

كانوا يفرضون على مدرسيهم أعمالاً لا تليق بهم كمدرسين ومن جملة هذه الأعمال مثلاً تربيط مجموعة الكتب التي تعطى للطلاب في بداية كل سنة أمام أعين الطلاب والأذنة، ومن جملة هذه الأعمال أيضاً تصحيح أوراق الامتحان في نفس اليوم وفي المدرسة، فهم لا يثقون بالمعلم، وعلى كل المدرسين في المدرسة أن لا يغادروها إلا بعد أن ينتهوا من تصحيح ذلك الامتحان حتى لو استمروا في ذلك إلى صباح اليوم التالي، وكان هؤلاء المدراء يقومون بجولات تفقدية ليلية على هؤلاء المصححين في مدارسهم.

وفي إحدى هذه الجولات الليلية دخل أحد المدراء على قسم الرياضيات في مدرسته في حوالي الساعة التاسعة ليلاً واختار ورقة إجابة مصححة لا على التعيين وبدأ يقرأ فيها فوجد في هذه الورقة (7+9=4) والمصحح وضع له صحاً عليها فقال بعنجهية أعرابية: أوقفوا التصحيح في الحال واتركوا الأقلام. أي تعليم هذا الذي تعلمونه للأولاد؟ إنكم تجعلون من الصح خطأ ومن الخطأ صحاً، وأقفل عقله فلم يعد يستمع لما قاله له المدرسون فهو أكبر من أن يحاوره مدرس.
