
في نهاية خمسينات القرن الماضي لم يكن بيع اللبن واللبنة شائعاً كما هو في هذه الأيام وكانت وكالة الغوث توزع الحليب الناشف على مستحقيه من اللاجئين الفلسطينيين فالتقطها شخص منهم وقام بتصنيع اللبن واللبنة من هذا الحليب الناشف وكان يضع ما يصنعه في وعاء معدني واسع الباب وبداخله مغرفة ويحمله في خرج يضعه فوق حماره ويطوف به في القرى لبيعه!وأصبح هذا الشخص معروفاً لدى أهل قريتنا باسم (اللداوي) لأنه كان يرتدي السروال الأسود والقميص وطاقية من الصوف مصنوعة يدوياً وهذا هو لباس أهل اللد في الماضي.

وكانت قد إستوطنت في قريتنا (ذبابة البحر الأبيض المتوسط) التي لم نكن نميزها عن غيرها من الذباب وأخذت هذه الذبابة تختار الشخص الذي يعجبها من أهل القرية لتلسعه وبعد أن تلسعه تترك مكانها (حبة) تزول مع الزمن لكنها تترك مكانها ندبة دائمة إلى الأبد ونادراً ما كان يفلت من هذه الذبابة أحد من الجيل السابق وفي أحد الأيام إختارتني هذه الذبابة ولسعتني في أعلى خدي الأيمن وتركت مكانها حبة وبدأت هذه الحبة تكبر حتى كادت أن تقترب من عيني وأصبحت علامة في وجهي تميزني عن غيري من الأولاد لكنها لم تكن تؤلمني ولم أكن أشكو منها فنسيتها وعاشت معي سنين دون أن يكون لها علاج في ذلك الوقت.

وبقيت على هذا الحال إلى أن حضر هذا اللداوي بائع اللبن ووضع رحاله على البيادر فتجمعنا نحن الأولاد من حوله وعندما رآني قال لي: تعال يا ولد ما هذه الحبة التي في وجهك؟ فقلت له: لا أعرف فقال: إذهب إلى أمك واطلب منها أن تضع لك (ودعة) في صحن وتعصر فوقها حبة ليمون وتضع هذا الصحن خارج البيت ليلاً ومع (الندى) تذوب هذه الودعة وتصبح كاللبن الرائب هذا(وأشار بيده إلى ما يعرضه من لبن للبيع) ومن ثم تقوم أمك بدهن هذه الحبة ثلاث مرات في اليوم وستشفى بإذن الله.
