
كان من نتائج نكبة سنة 1948 التي كانت قد ألمّت بفلسطين إزدياد البطالة بين الشباب!وكانت قريتنا قد تأثرت (مثلها مثل باقي القرى الأخرى) بما كان قد حدث في فلسطين!فأصبحت الحياة فيها صعبة لا تطاق!وبدأ الشباب يبحثون عن طرق للرزق ولو في آخر الدنيا!فكان منهم من إختار الذهاب إلى أمريكا الجنوبية!والغالبية العظمى من شباب القرية كانوا قد إختاروا الذهاب إلى الكويت لقربها فتكاليف الوصول إليها كانت قليلة بالنسبة إلى غيرها من البلدان!وكان والدي من الناس الذين إختاروا الذهاب إلى الكويت لقلة ذات اليد!.

لكن مشوار الكويت بحاجة إلى عشرة دنانير على الأقل!ومن أين له ذلك؟فكان لا بد له من اللجوء إلى المرابين والرضوخ لشروطهم!ومن جملة هذه الشروط أن يعيد والدي هذه العشرة دنانير خمسة عشر ديناراً بعد عام من إقتراضها!ويقوم هذا المرابي بوضع يده على أحسن قطعة أرض مزروعة بالزيتون لوالدي كرهينة!وإذا لم يسدد والدي هذا المبلغ قبل موسم الزيتون فيقوم هذا المرابي بقطف ثمارها والتصرف بها!أما إذا لم يسدد والدي دينه خلال هذه السنة فتصبح قطعة الأرض هذه من أملاك هذا المرابي!.

وكان هناك في القرية شاب صغير في السن وحيد والديه وله ست من الأخوات وأراد هذا الشاب أن يرافق والدي في هذه الرحلة إلى الكويت بعد أن إستطاع والده تدبير أجرة الطريق!وعلى الفور وافق والدي بل رحب به ليكون رفيقاً له في طريق لا يعرف عنه شيئاً!وفي اليوم الموعود لبس والدي البنطلون والقميص الكاكي واستعد للسفر وحضر إلى بيت هذا الشاب ليصطحبه معه!.

وعندما وصل والدي إلى بيت هذا الشاب وجد فيه (مناحة)!فالأم وبناتها الست يبكين على فراق وحيدهن بحزن شديد وبمرارة فائقة!وما أن تودعه واحدة منهن حتى تمسك به الأخرى!ولما رأى والدي هذا المشهد طلب من الأم وإسمها (نجمة) أن تسرع في وداع إبنها هي وبناتها خوفاً من التأخير المحتمل الذي سيلحق بهما لكنها لم تسمع كلامه واستمرت في البكاء والعويل والنواح فاضطر والدي أن يخلص إبنها من بين يديها هي ويناتها بالقوة وسافرا معاً!.
