خربة قيس في العهد البريطاني


images37ST4YIA
أصابت قذيفة أحد البيوت فيها وهو بيت المرحوم عبدالحليم سرور دون أن تُعرف هوية هذه القذيفة إن كانت تركية أو إنجليزية ولا زالت هذه القذيفة موجودة في جدار هذا البيت حتى يومنا هذا!

كان قدر هذه القرية في الحرب العالمية الأولى أن تكون محصورة بين الحلفاء من جهة وبين دول المحور من جهة أخرى فالجيش التركي كان يعسكر في جبال سلفيت والجيش البريطاني يعسكر في جبال عارورة وكثيراً ما أخطأت قذيفة تركية أو انجليزية هدفها لتسقط على أرض هذه القرية أو فوق رؤوس سكانها وفي أحد المرات أصابت قذيفة أحد البيوت فيها وهو بيت عبدالحليم سرور دون أن تُعرف هوية هذه القذيفة إن كانت تركية أو إنجليزية ولا زالت هذه القذيفة موجودة في جدار هذا البيت حتى يومنا هذا!.

untitled215
جدتي لأمي كانت قد رافقت أهل القرية في هذه الرحلة!

وقام الجيش البريطاني بترحيل أهالي هذه القرية إلى منطقة آمنة بالقرب من مدينة القدس بعد أن أظهروا لهم حرصهم الشديد على المدنيين منهم ولم يقولوا لهم بأنهم أصبحوا بحاجة إلى قريتهم لتكون معسكراً متقدماً لقواتهم وكانت جدتي لأمي قد رافقت أهل هذه القرية في هذه الرحلة عندما كانت طفلة صغيرة في السن وهاجرت مع من هاجر منهم وفي هذه الرحلة كانت قد تعلمت حروف الهجاء العربية على شكل قصيدة كانت تنشدها دون أن تعي ما تقول!لأن المدة التي قضتها في هذه الرحلة كانت قصيرة ولم يسعفها الحظ في تعلم المزيد من القراءة والكتابة لأن الحرب كانت قد إنتهت!.

imagesCMU60AZS
وفي هذه الرحلة رأت جدتي خبز الفينو الإنجليزي لأول مرة في حياتها فأدهشها فهي لم تكن تعلم بأنه يوجد في هذا العالم خبزاً آخراً غير خبز الطابون!

وعادت جدتي مع من عاد من أهلها إلى قريتها ثانية بعد أن رأت خبز الفينو الإنجليزي لأول مرة في حياتها فأدهشها ما كانت قد رأت فهي لم تكن تعلم بأنه يوجد في هذا العالم خبزاً آخراً غير خبز الطابون!وما أدهشها أكثر أن الجندي البريطاني كان يقطع لكل واحد منهم قطعة من هذا الخبز بالسكين وهي لم تكن تعلم بأن الخبز يمكن قطعه بالسكين وليس باليد فقط!وما أن عاد أهل القرية إلى قريتهم ثانية حتى وجدوها قد تحولت إلى معسكر كبير للقوات البريطانية!.

888785dcaf-1
واستعملوا أهل القرية الرصاص في إتقاء شر الحاسد إذا حسد! 

واستفاد أهل القرية من القنابل الفارغة التي كانت قد تركتها الجيوش المتحاربة فوضعوها في جدران بيوتهم الداخلية مع ما يبنونه من أحجار كمخابئ سرية لحفظ الأشياء الثمينة!واستفادوا كذلك من الرصاص الذي كان منتشراً على سطح الأرض واستعملوه في اتقاء شر الحاسد إذا حسد!فكانوا يضعون عدداً من الرصاصات في وعاء حديدي ويقومون بوضع هذا الوعاء على النار إلى أن يذوب الرصاص ثم يضعون وعائاً آخر فيه ماء فوق رأس المحسود أو المسحور ويدلقون الرصاص السائل في وعاء الماء فيبرد الرصاص ويتشكل بأشكال مختلفة!ومن شكل هذا الرصاص الناتج في الماء كانوا يتعرفون على الحاسد إن كان ذكراً أم أنثى!.

imagesEZHYA106
وكنا نحن الأطفال نخلع ما تبقى من هذه الأسلاك ونصنع منها فخاخاً لصيد العصافير!

وما كان يزيد عن حاجتهم من هذه الذخيرة يقومون ببيعها للباعة المتجولين الباحثين عنها في كل القرى الفلسطينية لإعادة تصنيعها من جديد!وبقيت معظم هذه الذخيرة مدفونة بالأرض حتى يومنا هذا!وكنا نحن الأطفال نخلع ما تبقى من هذه الأسلاك التي كانت مدفونة في الجدار الإستنادي الذي يفصل مارس الشيخ خميس عن الطريق مباشرة ونصنع من هذه الأسلاك فخاخاً لصيد العصافير وسيارات سلكية كنا نصنعها من هذه الأسلاك وأقفاصاً حديدية لوضع العصافير الحية التي كنا نصيدها لنبقيها حية!. 

imagesIB7V4JZ7
كنا نلعب البنانير ومن يخسر يدفع ثمناً لخسارته من الرصاص!

وأصبح الأطفال أمثالي ينتظرون موسم الشتاء في كل عام فبعد نزول المطر تجري القنوات والشعاب والوديان فتكشف لنا المستور من هذا الرصاص والنحاس والحديد ونقوم بجمعه وبيعه كل ثماني رصاصات بقرش واحد!أما الحديد والنحاس فكنا نبيعه بالرطل أو نبادله بحلويات كانت تسمى العنبر أو بالقضامة!ولم نكتف كأطفال بجمع هذا الرصاص من الأرض فقط بل جعلنا منه لعبتنا المفضلة لأنها كانت اللعبة الوحيدة التي فيها نلعب ونربح فكنا نلعب البنانير ومن يخسر يدفع ثمناً لخسارته من الرصاص!.

untitled
كنا نمد أيدينا في جيوبنا ثم نقفلها على عدد من الرصاصات ويقول أحدنا للآخر جوز ولا فرد ثم نعدها فمن كان يعرف الإجابة يأخذها ومن لا يعرف يدفع مثلها!

وكان الكبار يكافئون صغارهم بالرصاص عندما كانوا يطلبون منهم أن يقدموا لهم خدمة معينة فكان الرصاص متوفراً معنا على الدوام فكنا نمد أيدينا في جيوبنا ثم نقفلها على عدد من الرصاصات ويقول أحدنا للآخر جوز ولا فرد ثم نعدها فمن كان يعرف الإجابة يأخذها ومن لا يعرف يدفع مثلها!وكثيراً ما كنا نجد قلة لم تنفجر فنأخذها إلى إحدى المغر أوالكهوف وندفنها بالحطب ونشعل النار فيها ونهرب فتنفجر هذه القلة موقعة بعض الأضرار في المكان الذي تنفجر به كي نستفيد من حديدها ونحاسها ورصاصها بعد أن تنفجر!.

images
وكم كنت أندهش وأنا أشاهد والدي وهو يخرج الفشك من الإستقامات التركية الموجودة في جبل راس زيد! 

ولن أنس في يوم من الأيام عندما كنت طفلاً صغيراً في السن وأراد والدي في نهاية خمسينات القرن الماضي أن يزرع أرضه في جبل راس زيد عنباً وتيناً فكان لا بد من تسييجها من جهة الغرب  بجدار إستنادي من الحجارة فكان يحضر هذه الحجارة من الإستقامات التركية بعد أن يقوم بهدمها وكم كنت أندهش وأنا أشاهد والدي وهو يخرج الفشك وهو في أمشاطه والسلحلك الذي كان يحمل هذه الأمشاط مجتمعة!.

imagescadgfnje
تمحور السكان في قريتنا إلى مجموعتين الأولى تحت مسمى دار حماد والثانية تحت مسمى الدار الفوقا واشتعل الصراع بينهما!

ذهبت تركيا وتركتنا في هذه القرية نغوص في الجهل والفقر والمرض وجاءت بريطانيا العظمى بدهائها وخبثها فأهلكت الحرث والنسل ولكن بطريقتها الخاصة فقامت بشق الصف العربي على مستوى الوطن كله رأسياً وأفقياً وعليه فقد قسمت كل قرية ومدينة إلى صفين وما عليك إلا أن تكون إما مع الثورة أو مع العملاء وبهذا تكون قد أوجدت لهم ما يختلفون عليه كي ينسوا المحتل والصهاينة وكان لها ما أرادت وعليه فقد تمحور السكان في قريتنا إلى مجموعتين الأولى تحت مسمى  دار حماد والثانية تحت مسمى الدار الفوقا واشتعل الصراع بينهما وأصبح لكل مجموعة من هاتين المجموعتين أنصارها ومؤيديها حتى في القرى المجاورة!.

images74BT34MG
أمام هذا الواقع المؤلم غادر معظم سكان هذه القرية إلى أماكن أفضل لهم وأكثر أمناً!

أمام هذا الواقع المؤلم والمرير غادر معظم سكان هذه القرية إلى أماكن قريبة من القرية لكنها أكثر أمناً ومنهم من غادرها إلى أماكن بعيدة من غير رجعة!فمنهم من غادرها ليعيش في مدينة القدس مثل (نصر رزق والأخوين عثمان وفارس رزق وأحمد عبدالمجيد حماد) ومنهم من رحل عنها إلى قرية عبوين مثل (محمد أحمد عبدالدايم) ومنهم من رحل إلى قرية مزارع النوباني مثل (أحمد حمدان) ومنهم من رحل إلى قرية دير السودان مثل (فارس إملاوي)!.

4HsbR
ستمضي الأيام وستجلس على رصيف الذكرى ولن تصدق أنك تعيش من دونها!

ومنهم من رحل إلى مدينة الزرقاء في الأردن مثل (الأخوة نمر وسعيد ونوار عبدالمجيد حماد) ثم تبعهما (باير حماد) و(أحمد علي أحمد) ومنهم من رحل إلى مدينة عمان مثل (محمد إملاوي) ومنهم من رحل ليعيش في بلدة سلفيت مثل (عبداللطيف سرور والأخوين مفلح وعبدالدايم أحمد عبدالدايم والأخوة خضر وحسن محمد خضر ويوسف أبو خضر وصالح عبدالقادر وسعيد محمد حمد وأسعد إبراهيم وسعيد خضر) ومنهم من رحل إلى قرية زيتا جماعين مثل (سليم خضر) ومنهم من غادرها إلى لبنان مثل (عائلة السوطري)!.

تاريخ بلدنا

أضف تعليق