
عدم فهم الأفراد للمعنى الحقيقي للتقوى، جعل قويّهم يستعبد ضعيفهم، ويسخّره لخدمته، ولم يكتف هذا القوي بذلك فقط، بل استطاع أن يقنع الضعيف بضعفه، لا بل أفهمه، بأنّ القوة لله وحده، يهبها لمن يشاء من عباده، فلا يُمكن للشخص الضعيف أن يكون قوياً، لأن الله خلقه ضعيفاً، ولو أراد غير ذلك لكان قد خلقه قوياً، وأقنع القوي الضعيف أيضاً، بأن طاعة الضعيف للقويّ واجبة، فإذا عصى الضعيف أمر القويّ، فكأنه عصى الله دون أن يدري أو لا يدري.

وأفهم القوي الضعيف أن هذه الدنيا فانية، لأنها عبارة عن ممر مؤقت للآخرة، والجري وراءها يجلب له تشتت الذهن، وكثرة الهموم، وأقنعه بأن يستغني عن كثير من الأشياء، ويتركها لغيره، ويأخذ منها ما هو محتاج له فقط، كي ينعم بالسعادة والهناء، وعلّمه الإستكانة في الدنيا، فهي لا تستحق منه أن يدافع فيها عن نفسه، لا بل عليه أن ينتظر الآخرة، فهناك من سيدافع عنه، ويردّ له حقوقه، لا بل يعُوضه عن ما لحق به من ظلم في الدنيا، ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار.
