
شجرة البطم الفلسطيني وهذا هو إسمها العلمي ولم أسميها أنا من الأشجار الحُرجية المُعمّرة التي تعيش في جميع أنواع الأتربة والأماكن وخاصة على سفوح الجبال وفوق الرجوم والسلاسل وعلى ضفاف الوديان والشعاب وترتفع هذه الشجرة عن الأرض كثيراً وقد يبلغ ارتفاعها عشرة أمتار في بعض الأحيان أما أوراقها فمُركبة مُريشة وتتساقط في فصل الخريف وتبدأ في الظهور ثانية على شكل براعم في فصل الربيع أما أغصانها فكثيفة وتحمل في أطرافها ثماراً صغيرة كروية الشكل على شكل عناقيد ومن هذه العناقيد تتغذى الطيور بأنواعها المختلفة.

وتنتشر هذه الشجرة في كل مكان في فلسطين خاصة في الأراضي الجبلية بواسطة زرق الطيور بعد أن تأكل من ثمارها فقد تجد هذه الشجرة الكبيرة تخرج من شق صغير من داخل صخرة كبيرة عندما يتوفر لها بعضاً من الرطوبة وتعتبر شجرة البطم هي الأخت الصغرى لشجرة الزيتون من حيث عمرها لكنها متساقطة الأوراق وذات تفرعات كثيرة لذلك فهي شجرة ظليلة في فصل الصيف وتعتبر مأوى وملجأ طبيعياً لجميع الحيوانات والثدييات والطيور.

أما خشبها فله مميزات كثيرة غير متوفرة في الأخشاب الأخرى فهو عندما يحرق يعطي رائحة كرائحة البخور ومن خشبها يصنع عود الحراث والمماسك لكل أدوات الفلاحة مثل الفأس والطورية والكريك والشاعوب والمذراة والقدوم ومشط الأرض وغيره ومن خشبها تُصنع أيضاً أعمدة الخيام والأواني المنزلية مثل الباطية والمغرفة والمرواد والغليون لكون هذا الخشب من النوع المتين ورائحتة طيبة ومن خشبها تُصنع المسلات لخياطة الأدوات المصنوعة من الجلد كالسعن والشكوة والسجاد وغيرها.

وكانت أمهاتنا وجداتنا في الماضي ينتظرن موسم البطم على أحر من الجمر كي يستخدمن ثمار هذه الشجرة في إعداد ما يعرف بالدُقة الفلسطينية والذي يتم تحضيرها يدوياً وبشكل تقليدي من قبلهن في المنازل حيث يقمن بقطف الثمار بعد نضجها وهي على شكل حبيبات بحجم حبيبات العدس ثم يقمن بإحضارها إلى بيوتهن ثم يضعنها تحت أشعة الشمس مدة يومين أو أكثر قليلاً ومن ثم يقمن ينزع الحبيبات عن عيدانها.

وبعد ذلك يقمن بطحنها بواسطة الطاحونة المنزلية البازلتية القديمة ومن الجدير بالذكر أن هذه الطاحونة كانت من الأشياء الرئيسة التي يجب توفرها في أي بيت فلسطيني ثم يقمن بتحميصها مع كل من البرغل والحمص والسماق ومسحوق الكعك والجوز واللوز والسمسم فيمتلأ البيت برائحة زكية تدوم أياماً وبهذا تصبح الدُقة جاهزة لتناولها وما يزكيها أكثر وجود ثمار البطم المطحونة التي تمنح هذه الدقة نكهتها المميزة والطيبة لجميع أفراد الأسرة وخاصة الأطفال منهم.

وتستخدم ثمار هذه الشجرة في صناعة الخبز ففي بداية نموها في فصل الربيع عندما تكون صغيرة الحجم وبعد طحنها تصبح على شكل مسحوق أبيض ويستخدم هذا المسحوق في تحضير خبز البطم وذلك بخلطه مع الماء وإضافة قليل من الملح إليه وعجنه ومن ثم صنع كرات عجينية بحجم كف اليد وترقيقها على التخت الخشبي وتسطيحها بواسطة عصا ملساء ومن ثم شيها على النار وتناولها وقد تعجن ثمار شجرة البطم المجفف مع خبز القمح فيعطي رغيف الخبز جمالاً لأن حبيبات ثمار البطم الخضراء تمنحه طعما لذيذا وشهياً حتى أنه يؤكل لوحده دون تناول أي شيء معه لكثرة فوائده العديدة فهو يعطي طاقة وحيوية كبيرة لمن يأكله.

تسمى شجرة البطم بـ (شجرة العلكة) لأن هذه الشجرة تفرز مادة صمغية بيضاء يعلكها الصغار والكبار لها طعم (المستكة) المعروفة عند الجميع ومن الجدير بالذكر أن المستكة تصنع من أحد أنواع شجر البطم وبعد هذه السنين الطويلة لا زال طعم (لبان) البطم في فمي حتى يومنا الحاضر وتعتبر شجرة البطم أصلاً لشجرة الفستق (الحلبي)فيقوم الناس بإكثار أشجار الفستق الحلبي من خلال تطعيمها بشجرة البطم البرية وهذا الإجراء هو من أفضل الإجراءات لإنبات شجرة الفستق الحلبي وإكثارها في فلسطين.

تستخدم رؤوس الأغصان الطرية لأشجار البطم التي تظهر في بداية فصل الربيع من كل عام وتسمى اخليطة في إعداد سلطة لذيذة وطيبة المذاق على اللسان وهي من الوجبات الشعبية القديمة التي كان الناس يعدونها خلال استراحات العمل الزراعي بمختلف أنواعه في الحقول وذلك بتقطيع هذه الأغصان الطرية قطعاً صغيرة وخلطها مع الثوم الأخضر والفليفلة المطحونة وقليل من عصير الحصرم وهي وجبة طبيعية وصحية ولذيذة في نفس الوقت وقد يُكتفى فقط بأكل هذه الأغصان الطرية العليا وحدها وهي خضراء طازجة.

يعيش البطم الفلسطيني كغيره من مقومات الحياة عند شعبنا الفلسطيني الصراع العربي الإسرائيلي بكل أبعاده فبعد أن استولوا على الأرض وطردوا الشعب لم يبق غير شجرة البطم الفلسطيني ليصبوا جام غضبهم علىيها فهي التي تذكرهم بفلسطين وشعبها فلم يتحمل الإسرائيليون تسمية البطم بالفلسطيني فأطلقوا عليه اسم ايلاه ثم اضافوا اليه كلمتي ايرتسيسرائيليت أي البطم الذي ينمو في أرض إسرائيل على الرغم أن هذه الشجرة المباركة كانت قد تركت اسمها على أكثر من 120 موقعاً مختلفاً في فلسطين ومن هذه الأماكن أكثر من 65 حوضاً و 15 وادياً و 3 خلّأت و 10 خرب وثلاث عيون ماء وجامعان وجبلان ومغارة وشارع وقرية وجسر كلها سميت ياسم البطم.

إذا قطعت شجرة البطم فتنتج أغصاناً قوية مستقيمة بدايتها ونهايتها لها السمك نفسه مرنة أي لو ثنيت وضغط عليها تعود في الحال إلى ما كانت عليه من طول لهذا فقد استغل البعض هذه الخاصية فصنعوا منها أقواساً ومفردها قوس لصيد العصافير من على شجر التين والقبار والبطم وأما طريقة صنع القوس فبعد أن تزال الأوراق والأغصان الصغيرة عن الغصن المراد جعله قوساً يجفف قليلاً ويدبب أحد رأسيه بسكين ثم يشوى على النار ليسهل تقشيره وليظهر أملساً أبيض ثم يثقب عند طرفه المدبب.

ويمرر خيط من القنب من هذا الثقب ويربط بالطرف الآخر للقوس وهذا الخيط يكون مزدوج عند الثقب ثم يأتون بعود مبري كي يدخل في الثقب ويبقي الخيط مفتوحاً ومرتكزاً عليه بشكل مزدوج يسمى «القُرْزَم» ويربط هذا القرزم بخيط قصير في القوس خوفاً من أن يضيع في كل مرة ثم توضع حبة تين أو أي شئ يأكله العصفور فوق الرأس المدبب فيأتي العصفور ليأكل حبة التين ويقف على القرزم فينزل القرزم تحت تأثير وزنه وتدخل رجلي العصفور بين الخيط المزدوج إلى أن يأت الصياد ويمسك بالعصفور حياً.

مقالة رائعة .. شكرا للكاتب على هذه المعلومات
إعجابLiked by 1 person
شكراً لك على المرور
إعجابإعجاب
أعجبني هذا الشرح الوافي عن شجرة البطم الفلسطيني.
إعجابLiked by 1 person
شكرا أخ محمود
إعجابإعجاب
رائع
إعجابLiked by 1 person
أنت الأروع أخي سفيان
إعجابإعجاب
طريقة رائعة في سرد معلومات عن الشجرة😊
شكرررراًً
إعجابإعجاب
شكرا لك أخت أماني على المرور
إعجابإعجاب
شكرا جزيلا على هذا السرد الجميل والمعلومه المفيده
إعجابإعجاب
شكرا لك أخي أبو عماد على المرور
إعجابإعجاب
سرد ممتع وملومات رائعة
اتمنى لو ان هناك صورة مرفقة لكيفة عمل الموسقى بقرن البطم
إعجابLiked by 1 person
في أقرب فرصة إن شاء الله
إعجابإعجاب
bdnfn
إعجابإعجاب
كيف اميز بين البطم الفلسطيني والاطلسي من المظهر
إعجابإعجاب
رائع
إعجابإعجاب
هكذا يكون الشرح الذي يصل الى القلب قبل العقل
الاستاذ الكريم
راودني الاسى والحزن على ضياع واغتصاب اجمل حرش بطم عشته وتعايشته في حياتي وما زاد الاسى أني بحثت هذا الصيف عند زيارتي السنوية لبلدي أني لم اجد من يدلني على شجرة بطم أخذ من بذورها للزراعة حيث انني امتلك قطعة ارض صالحة لزراعة البطم لتطعيمها بالفستق الحلبي، سأكون ممتن اذا ساعدني في هذا الموضوع
إعجابإعجاب
بوركت في ميزان حسناتك اخي العزيز
إعجابإعجاب
مع الأسف الشديد تكاد لا تجد شجرة بطم واحدة باقية في محيطنا فقد تم تقطيع معظمها إما لإن أحداً لا يريد البطم أو أنهم قطعوها من أجل الحطب أو لعمل مهابيش القهوة لتزين المضافات بعد ان تركوا إستعمال المهباش لطحن القهوة واستعاضوا عنه بمطاحن القهوة الكهربائية.
تثير فينا شجونا عن موروثات بلادنا سواء المتغصبة منها أو التي بحكم المغتصبة شرقي وغربي النهر
إعجابإعجاب
مع الأسف الشديد تكاد لا تجد شجرة بطم واحدة باقية في محيطنا فقد تم تقطيع معظمها. كانت في أرضنا شجرة بطم كبيرة لم أجد له أثر علماًُ أنني لم أطلب من أحد قطعها. إما لإنه لم يعد أحد يريد البطم أو أنهم قطعوها من أجل الحطب أو لعمل مهابيش القهوة
لتزين المضافات بعد ان تركوا إستعمال المهباش لطحن القهوة واستعاضوا عنه بمطاحن القهوة الكهربائية.
حتى البلوط لم يعد يسلم من المتطفلين الذين يحرقون لحاء الشجرة ببطء فتجدها عاماً عن عام تجف وتسقط شهيدة. لكي يبيعوها بثمن بخس.
شجرة عمرها مئات السنين عاندت كل الظروف المناخية ولربما جلس تحتها جيش كامل قدم لفتح بيت المقدس. يقوم مجرم بحرقها من أجل أن يبعيها حطباً
تثير فينا شجونا عن موروثات بلادنا سواء المغتصبة منها أو التي بحكم المغتصبة شرقي وغربي النهر
دمت بخير
المهندس عبد العزيز الرواقة الطيبة أربد
إعجابإعجاب