
حجزت مقعداً لي في الطائرة المسافرة من مدينة عمان إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية في بداية سنة 2014، وبعد أن انتهيت من إجراءات السفر ودخلت مقصورة الطائرة أجلستني المضيفة على كرسي بجانب سيدة جليلة في العقد السابع من عمرها، وقبل أن أجلس على مقعدي نظرتُ إلى تلك المرأة النظرة الأولى فبدت لي من لون ملابسها وشكلها أنها ذاهبة لأداء مناسك العمرة في الديار المقدسة.

وبعد أن جلست حييت هذه السيدة بتحية الإسلام لكنها قبل أن ترد تحيتي بمثلها أو أحسن منها فاجأتني بسؤال لم أكن أتوقعه حين قالت لي: هل أنت دكتور يا ولدي؟ قلت لها: لا يا سيدتي أنا لست بدكتور، هل أنت مريضة وبحاجة إلى دكتور؟ فقالت لي: لا يا ولدي كفاني وكفاك الله شر دكاترة هذه الأيام. قلت لها: أنا أعلم أن كل دكتور يقسم قسم أبقراط الشهير في الماضي والحاضر ولم يتغير هذا القسم حسب معرفتي، فهل يختلف دكاترة زمان عن دكاترة هذه الأيام يا سيدتي؟ قالت: نعم يا ولدي الفرق شاسع بينهما وكبير قلت لها: وكيف ذلك؟
قالت: كان الدكتور في الماضي يا ولدي هو من يقدر أتعابه بنفسه، فكنت تجد من هؤلاء الأطباء من يتعاطف مع المرضى البسطاء أمثالي، أما اليوم فأصبح لهم نقابة خاصة بهم تحدد لهم أجرتهم بغض النظر عن ما يدور بينهم وبين مرضاهم في عياداتهم الخاصة، فمنهم من يعالج مريضه بكلمة أو كلمتين ومنهم من يكتب له تحليلاً ومنهم من يقرأ للمريض تحاليله، ومنهم من يعطي مريضه إجازة عمل وهو لا يستحقها، ثم يطلبون من المريض ما تقرره لهم النقابة وهم بذلك كانوا قد جعلوا من تسعيرة النقابة شماعة يعلقون عليها جشعهم المادي.

أنا يا ولدي امرأة عجوز مريضة بداء السكري كما تراني أمامك وأعيش وحدي في مدينة عمان، وأملك جهازاً خاصاً بي لفحص نسبة السكر في الدم وما يلزمه من شرائح، لكنني يا ولدي لا أستطيع أن أقرأ الرقم الذي يظهره هذا الجهاز، فبالأمس احترت في أمري وقلت في نفسي: إن خير من سيساعدني طبيب العيادة الخاصة التي تجاورني في السكن فأخذت الجهاز وشرائحه وذهبت لهذا الطبيب كي يساعدني، وعندما عرضت عليه الأمر طلب مني أن أخز اصبعي حتى ينزل الدم منه، وأضع نقطة من هذا الدم على الشريحة. وبعد أن استجبت لطلبه أخذ مني الجهاز وقرأ لي الرقم الذي ظهر عليه وشكرته على ما قام به وما أن هممت بالانصراف وإذا به يطلب مني أجرة الكشفية.

بالمقابل روت لي أختي التي تعيش في الغرب الكافر كما نحب أن نسميه أن طبيبها قبل أن يعالجها كان يسألها عن ما أكلته على العشاء في الليلة السابقة فاحتارت أختي بسؤاله هذا وعندما سألته عن سبب سؤاله لها قال لها: أسألك عن نوع عشائك كي أستطيع أن أحدد الكشفية التي سأطلبها منك بعد علاجك فنوع العشاء الذي تناولتيه بالأمس هو الذي يحدد المبلغ الذي أطلبه منك، فلا يعقل أن يدفع شخص كان عشاؤه بوفيهاً مفتوحاً في أحد الفنادق الفخمة كشخص كان قد نام دون عشاء، أو أكل كسرة من الخبز مع قدح من الشاي.
