في عام 1985 كنا نعيش في دولة الكويت حياة بسيطة خالية من الهموم المادية إلى حد ما وكنا بعد أن ننتهي من أعمالنا نجلس في بيوتنا مع زوجاتنا وأولادنا أمام شاشة التلفزيون الكويتي ولم يكن في ذلك الوقت قنوات فضائية كثيرة كما هو اليوم نختار منها ما نريد لهذا كنا مجبرين على رؤية ما يقدمه لنا التلفزيون الكويتي فقط ومن لا يعجبه ما يقدمه التلفاز يذهب إلى راديو الكويت الذي كان يحترم رغبة الناس جميعاً فكان يذيع أغان عربية غير كويتية لمن يريد سماعها وقام بتخصيص الساعة الحادية عشر ليلاً من كل يوم كي يسمعنا صوت مطرب أو مطربة من مطربي أيام زمان حتى أصبح هذا البرنامج مخزناً في ذاكرة كل من يريد الطرب ويستمتع به.
وجاء شهر رمضان المبارك في ذلك العام وله رونقه الخاص في الكويت وانشغلت أنا شخصياً في تدريس الكبار ليلا وفي تدريس الصغار نهاراً ولم أنس زكاة الفطر بل كنت أقوم بتأجيل دفعها فكلما هممت بإخراجها تحصل معي أشياء تجعلني أنساها حتى وجدت نفسي في آخر يوم في أيام رمضان وعليّ إخراجها الآن وليس غداً تذكرت ذلك بعد رجوعي من العمل الليلي وإذا بالساعة تقترب من الحادية عشر ليلاً وسألت نفسي من الذي أستطيع أن أدق عليه الباب في مثل هذه الساعة كي أعطيه زكاتي؟.

تذكرت حارس البناية التي أسكنها فهو الذي سيحل مشكلتي وكان هذا الحارس رجل مصري في منتصف العمر يعيش أعزباً في غرفة أرضية ملحقة بالبناية وعندما دققت عليه الباب لم يفتح فكررت الدق مرات ولم يفتح فدققت النظر أكثر فوجدت الباب مفتوحاً ففتحته ودخلت وإذا به يُصلي فجلست على سريره في انتظار أن ينتهي من صلاته فجأة رأيته يترك سجادة الصلاة وهو يُصلي ويتجه إلى جهاز الراديو ويفتحه وإذا بأم كلثوم تغني أنت عمري وقام برفع الصوت على الآخر وعاد ليكمل صلاته دون أن يكلمني.
فهمت لوحدي ودون مساعدة من أحد أن عقارب الساعة الآن تشير إلى الساعة الحادية عشر ليلاً فصبرت عليه ولم أتكلم معه حتى إنتهي من صلاته وعندما إنتهى من صلاته حييته وقلت له:تقبل الله فأجاب: تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ثم تابع كلامه قائلاً: أصله يا بيه أعذرني فقد نسيت موعدي المهم مع سوما ـ وسوما لمن لا يعرف هو إسم الدلع للمطربة أم كلثوم عند إخوتنا المصريين ـ وتذكرت ذلك الموعد وأنا أصلي وخفت أن تفوتني بدايتها الموسيقية الراقصة فتركت الصلاة برهة وفتحت الراديو بسرعة وعدت إلى مكاني بشكل أسرع معتمداً بذلك على الله فهو غفور رحيم بعباده.
