
شجرة الزعرور هي من الأشجار البرية المثمرة المعمرة التي تنمو في جبال فلسطين دون أن يزرعها زارع أو يتعهدها مزارع وهي من النباتات التي تتساقط أوراقها في فصل الخريف ويصل طول هذه الشجرة من مترين إلى أربعة أمتار حسب الأرض التي تنموا فيها وتنمو هذه الشجرة في المناطق الجبلية وفي الشعاب والوديان والمنحدرات والهضاب وهي كثيفة التفرع والتمدد أفقياً ورأسياً أما خشبها فهو شديد الصلابة وله أشواك قوية حادة مدببة ويجب الإنتباه من هذه الأشواك فلسعتها حادة قوية مؤثرة أما أغصانها فتحمل كمية كبيرة من الأوراق المسننة بأسنان كبيرة ومعها باقات بيضاء من الأزهار الجميلة ذات الرائحة العطرية النفاذة والمميزة.

أما ثمار شجرة الزعرور عندما تنضج فتكون على شكل قطوف حباتها صفراء اللون تميل إلى الحمرة وهي تشبه إلى حد ما حبات التفاح البلدي الصغيرة وبداخل كل ثمرة منها بذرة كبيرة الحجم مكونة من فلقتين يكسوها طبقة لينة حلوة المذاق تحيط بهذه البذرة وهذه الطبقة اللينة هي التي تؤكل من هذه الثمرة وتزهر شجرة الزعرور في شهر آذار ونيسان من كل سنة وتنضج ثمارها في تشرين أول وتشرين ثان أي في وقت نضوج ثمار شجرة الزيتون!.

ومن المفارقات العجيبة في التراث الفلسطيني أن الزعرور يعاكس الزيتون ويناقضه أي أنه إذا حمل أحدهما فلن يحمل الآخر!فمثلاً إذا حمل الزعرور في سنة من السنوات فهذا يعني أن محصول الزيتون في هذه السنة سيكون (شلتونة) وإذا لم يحمل الزعرور في سنة أخرى فهذا يعني أن الزيتون في تلك السنة يكون (ماسية) وبالمقابل إذا حمل الزيتون فلن يحمل الزعرور ومن الناس من لا يكتفي بأكل ثمار الزعرور وهي طازجة بل يصنع من ثمارها مربى يسمى (مربى الزعرور).

وللزعرور مكانة عظيمة في ذاكرة الطفولة الفلسطينية فهو عندما يزهر في شهر آذار ونيسان يجذب برائحة أزهاره الزكية النفاذة كل الحشرات الطائرة بأنواعها المختلفة فيتنافس عليه النحل مع حشرة مليح أبو ذهبة وهذه الحشرة حجمها بحجم الدبور ويغطي جسمها جناحان كبيران مذهبان فيذهب الصغار إلى شجرة الزعرور لالتقاط هذه الحشرة الجميلة وبعد التقاطها يقومون يربطها بخيط عند رقبتها وتبقى تحلق حولهم وفوق رؤوسهم مخلفة وراءهاً صوتاً موسيقياً يطرب له الصغار ويطيرون معه فرحين مسرورين!.

هذا للصغار أما الشباب وكبار السن من رجال القرية فكانوا ينتظرون قدوم موسمه على أحر من الجمر لا لأكل ثماره فقط بل لتجديد (عُصيّهم) القديمة بأخرى جديدة فكانوا يختارون غصناً مستقيماً من أغصان هذه الشجرة ويقطعونه بآلة حادة كالموس أو القدوم ثم يزيلون عنه كل الأغصان الصغيرة ثم يشوونه بالنار فيصبح هذا الغصن ليناً فيشكلون منه ما يريدون ويتركوه في الشمس ليجف بعدها يأخذ الشكل المطلوب أما لماذا يختارون شجر الزعرور دون غيره من الأشجار لصناعة العصي؟ لأن أغصان هذه الشجرة تتمتع بليونة خاصة وهي خضراء وبصلابة قوية عندما تجف!.

والعصا في القرية الفلسطينية مهمة جداً لأن لها إستخدامات عديدة فكبار السن يتكئون عليها في مشيهم أما الشباب منهم فيتباهون بها ولهم فيها منافع أخرى وهذه العصا على ثلاثة أشكال وأنواع (الدوكان) و (العقلة) و (الدبسة) وأجمل العصيّ وأقواها تكون من شجر الزعرور!أما عن طريقة صنع هذه العصيّ في القرية الفلسطينية فكانوا يختارون الغصن المستقيم المناسب في سماكته ثم يزيلون عنه بقية الأغصان الصغيره بآلة حادة كالموس أو مقص الشجر ثم يزيلون أجزاءاً لولبية أو دائرية من قشرته.

بعدها يختارون نبتة كبيرة من نبات (النتش) الجاف ويضعون هذه العصيّ فوقها ويشعلون فيها النار فتنشوي هذه العصيّ وبعد شيّها في النار لدقائق تصبح هذه العصيّ لينة فيشكلونها بالشكل الذي يريدون فقد يصنعوا من هذا الغصن عقلة أو دوكان أو دبسة وبعد شيّ هذه العصيّ على النار تسودّ المناطق التي كانت قد أزيلت عنها قشرتها فيقومون بإزالة القشرة المتبقية ليكون تحت هذه القشرة منطقة بيضاء اللون فتصبح هذه العصيّ ملونة بالسواد والبياض وبالشكل المطلوب!.

بقي عليّ أن أشير إلى أهمية العصا للرجل في القرية الفلسطينية قديماً فكانت هذه العصا تستخدم في (الطوش) التي كانوا يستحدثونها خصيصاً فيما بينهم كي يجرب كل منهما عصاه ويختبر صلابتها وقوتها تماماً كما تفعل الدول الغنية في هذه الأيام عندما تستحدث حروباً مصطنعة في العالم الثالث فقط كي يجربوا سلاحاً جديداً كانوا قد صنعوه!.

شكرا لكم على هذه المعلومات الرائعة!
إعجابإعجاب
معلومات مفيدة وراقية بل في قمة الرقي آشكركم جميل الشكر والتقدير والاحترام المتبادل والمحبه المستمرة آيضا 👍🌹🌹🌹
إعجابإعجاب