
الرجل المسن: في الماضي القريب يا ولدي كانت حياتنا بسيطة وكان أكلنا أبسط ولبسنا أيسر ومتطلباتنا قليلة لا نقتني السيارات ولا الموبايلات ولا نعرف الفنادق والنوادي والكل يساعد الكل عند الحاجة وكان عندنا من النخوة والشهامة والمروءة ما يكفينا ويزيد عن حاجتنا في معظم الأحيان وكانت الناس تقنع بما تيسر حتى أن الأخوات كن يتنازلن عن طيب خاطر عن حصصهن في التركة إلى إخوتهن طمعاً في دفء العلاقات الأخوية وكان الأخوة في المقابل يثمنون لهن هذا الموقف ويعتبرون هذا التنازل ديناً في أعناقهم إلى ولد الولد عليهم تسديده لهن على مراحل ما دمن أحياء هن وبناتهن وعلى شكل دفعات في الأعياد والمناسبات فكانوا يتحينون الفرص وينتظرون الأعياد والمناسبات ليغدقوا عليهن وعلى أولادهن الهدايا والمنح.

أذكر يا ولدي أنني في يوم من الأيام أردت أن أطبق شرع الله الغائب عنا في تلك الأيام فعرضت على أختي ميراثها من أبيها فرفضته رفضاً قاطعاً بعد أن دخلت في نوبة بكاء ونواح وما أن التقطت أنفاسها قالت: أشعر يا أخي أنني أصبحت عبئاً عليك وتريد أن تريح نفسك مني فما كان مني إلا أن طيبت خاطرها واعتذرت لها عن ما قلت كي أعيد لها إبتسامتها التي هي عندي بالدنيا كلها وأفهمتها أنني أريد تطبيق شرع الله لا أكثر ولا أقل فأجابتني ودمع العين يسبقها: عندي طلة الواحد فيكم عليّ تساوي الدنيا وما فيها أما اليوم يا ولدي فقد سيطر على الناس الجشع والطمع بعد أن تعلموا واعتادوا حياة الإستهلاك والرفاهية وأصبحوا يطلبون القشور!ولم تعد العلاقات الحميمة مطلباً لهم كما كنا في الماضي.
