المكان: الشويخ- الكويت
الزمان: أكتوبر 1990

كنت أسير يوماً في الطريق الدائري الرابع، وهو أحد شوارع الكويت الذي يسلكه كل قادم أو ذاهب إلى العراق، وإذا بشخص يشير لي بالوقوف، وبإلحاح شديد. تحرّكت فيّ النخوة العربية الأصيلة، وقلت في نفسي، سأقف لهذا الشخص، ربما تكون عنده مشكلة، أستطيع حلها له. قبل أن أقف تماماً، ركض نحو السيارة مسرعاً، وقال: مضى عليّ ساعتان، وأنا أستنجد بالسيارات المارة، ولم يقف لي أحد منهم، فقلت له: وماذا تريد؟.

قال: أريد منك أن توصلني إلى أقرب رافعة سيارات، فقلت له:خيراً إن شاء الله، قال: دعمت سيارتي، وأريد تحميلها إلى البصرة لتصليحها، فقلت له: وما حلّ بها بعد أن دعمتها؟ قال: باب السائق ضغط على مقودها، ومنعها من الحركة، فقلت له: إذا تمكنا من إبعاد الباب عن المقعد، هل تستطيع أن تقودها؟ قال: نعم. وبكل نخوة عربية، وسذاجة ريفية، قلت له: إن أجرة الرافعة باهظة جداً، يصعب عليك تحملها، سأربط باب سيارتك، بمؤخرة سيارتي، بحبل أو سلك حديدي، وأحرك سيارتي، وأبعد لك الباب عن المقود، ثم بعدها تذهب بسيارتك إلى البصرة، وتصلحها هناك، فتقل عليك التكلفة.

وافق الرجل، ولكن ببرود، وقال: لنجرب، فسألته عن مكان سيارته، فقال: هي قريبة جداً، فقلت له: دُلني على مكانها، وانطلقتُ بسرعة قبل أن تغيب الشمس، طالباً منه أن يدلني على مكانها، ولم يبق يمين أو يسار إلا ودخلته، وبعد جهد جهيد وصلنا إلى السيارة، وإذا نحن في منطقة الشويخ، بالقرب من مخازن إحدى الشركات المشهورة، فأدهشني هذا الرجل في كيفية وصوله إلى هذا المكان، فسألته على الفور: أنا أعيش في الكويت منذ عشرين سنة، ولم أصل هذا المكان، فكيف وصلت له بهذه السرعة؟.

لم أنتظر جوابه لي، بل نزلت بسرعة من سيارتي، وقمت بمعاينة سيارته، فوجدته صادقاً فيما ادّعى، وانشغلت معه في تنفيذ الخطة التي كنا قد اتفقنا عليها. فجأة ظهر جيب عسكري عراقي، لا أدري كيف؟ ولا من أين ظهر؟ ونزل منه ضابط عراقي عريض المنكبين، طويل القامة، وتوجه إلينا، لم أصبر عليه ليصلنا، بل اتجهت نحوه، وعندما وقفت أمامه، شعرت بأنني قزم، وقلت له: هذا أخ عراقي دعم سيارته، ونحاول إصلاحها، لم يعرني هذا الضايط أي انتباه، ولا كأني تكلمت معه، بل توجه إلى الرجل مباشرة، ووضع مسدسه على رأسه، وقال له: ألم أطلق عليك النار قبل ساعة؟ وهربت بعد أن أصبت، وأصيبت سيارتك بعدة عيارات نارية؟ أرجعت ثانية، بدون حياء، ولا خجل، اذهب يا رجل، إني أعتقتك هذه المرة من أجل أطفالك الصغار، لكن في المرة الثالثة، لو رأيتك في أي مكان في الكويت، قسماً بالله، لن تخرج إلا جثة هامدة، ألم يكفيكم العراق بطوله وعرضه، بل جئتم إلى هنا لتسرقوا؟ أخزيتمونا أخزاكم الله، ماذا سيقول عنا الناس غداً؟.
